وقد أغرق في تحسين السكر في قصيدته التي يصف فيها آلات الزينة في البركة ومطلعها:
نديمي وما الناس إلا السكارى ... أدرها ودعني غداً والخمارا
وَعطِّلْ كؤوسك إلا الكبير ... تجِدْ للصغير أناساً صغارا
وقد أنقذته محاكاته للشريف من أن يكون أكثر شعره على هذه الوتيرة. وقد ذكرنا أن الوصف في هذه القصيدة لا يُحدث للقارئ نشوة شعرية، وإنما النشوة فيها نشوة مادية للشاعر بالخمر كما ترى. وعندي أن بيتاً واحداً في الوصف للمعري، وهو ليس من شعراء الوصف، قد يُحدث نشوة شعرية للقارئ أكثر مما تحدثه قصيدة في الوصف لمهيار. أنظر إلى قول المعري:
ليلتي هذه عروس من الزن ... ج عليها قلائد من جمان
وكلمة (هذه) في البيت لها أثر كبير في الوصف. وبعض وصف مهيار على سبيل الأحاجي والمعميات وهذا ليس من الوصف العالي
ويجوز لنا أن نقول أن منزلة مهيار من الشريف كانت كمنزلة البحتري من أبي تمام من حيث احتذاء الطريقة. وقد هجا ابن الرومي البحتري فقال:
والفتى البحتريُّ يسرق ما قا ... ل حبيب في المدح والتشبيب
كل بيتٍ له يُجَوِّدُ معنا ... هـ فمعناه لابن أوس حبيب
وهذه مبالغة المنافس القادح الزاري. إلا أنه مما لا شك فيه أن البحتري على عظم منزلته كان محاكياً أكثر من ابن الرومي. وقد وجدنا أن مهيار يعزب عن نهج الشريف في بعض قوله وروحه. ولا غرو فأن النبات إذا نقل من مكان إلى مكان كانت ثمراته شبيهة بثمرات نوعه من نبات المكان الثاني، وكذلك طريقة الشعر إذا نقلت من شاعر إلى شاعر، فهي يصدق فيها قول الشريف في الآمال:
وتختلف الآمال في ثمراتها ... إذا شرقت بالري والماء واحد
ولمهيار قصائد عديدة ذات نغمة موسيقية عذبة كنغمة قصائد الشريف العذبة، وهو لا يقل عن الشريف في هذه الموسيقية بل قد يزيد أحياناً، ولكن الوجدان الشعري في ثنايا موسيقية الشريف أكثر طبعاً وغزارة؛ وقد يقل الوجدان وتقل الموسيقية في قصائد مهيار المطولة في المدح على أناقتها، ولكن القارئ يشعر في بعضها إطالة الناثر القدير وتوقف الكاتب في