تدبيج المديح أكثر مما يشعر من اندفاع السيل الشعري الأتَيّ؛ ولكن أسباب هذا الشعور أن مهيار كان كاتباً قديراً وأنه أوتَيَ سهولة كبيرة في النظم ونفساً طويلاً جداً. وفي بعض مدائحه يحس القارئ سرعة اندفاع الوزن ولكنه يحس أيضاً أن سهولة النظم وطول النفس قد سبقا شاعرية الشاعر. وهذه هي جناية المدح على الشاعر وجناية نظم الشاعر بالأمر أو الطلب أو للحاجة واكتساب الرزق، وهذا أمر يشترك فيه كثير من شعراء الصنعة مع مهيار، إلا أن ما أضر الشعر من ناحية قد أفاده من ناحية أخرى، فقد أصبحت قصائد الصنعة التي ليس فيها اندفاع سيل العاطفة الشعرية نماذج تحتذى في المدارس وفي غير المدارس لتقويم لسان الناشئين المبتدئين؛ ولكن الخطر قديماً وحديثاً هو إما أن يمل الناشئ اللغة بالرغم من طلاوة النماذج وأناقتها لافتقاده سيل العاطفة، وإما أن يظل طول عمره على النماذج الإنشائية لا يطلب وراءها روحاً أو معنى أو وجداناً. ولقد نجى الشريف من أن يكون بعض شعر المدح من شعره نماذج إنشاء فحسب أنه كان يترفع عن التكسب بالشعر أو كانت له عنه مندوحة. والشريف لم يكثر إكثار مهيار وإن كان الشريف مكثراً جداً إذا قيس بالمتنبي أو أبي تمام
وبالرغم من إطالة مهيار في القصيدة الواحدة إطالة كبيرة في المدح، وبالرغم من مؤاتاة سهولة الوزن له فقد كان يهذب ويشذب ويتأنق ويسيء بالإحسان فيها ظنا حتى يقتنع ذوقه بدليل قوله: -
وأُسيءُ ظنا وهي مُحسِنةٌ ... لا كالمسيء ويحسن الظنا
ولعل هذا سبب ولوعه بإطراء شعره في شعره فقد قال في قصائده:
لكنها من معدن لم يكن ... بِسرِّهِ ينبع إلا لِيا
وزاد على هذا فجاء بقول يشبه أقوال المتنبي فقد قال مهيار:
ظهرت بآيتي في غير قومي ... ولم أنظر بمعجزها أواني
أي ظهر قبل ظهور الجيل الذي يستطيع أن يقدره
ولقد قالوا أن الشريف قد اشترك في كتابة بعض ما ينسب إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه في كتاب (نهج البلاغة) وهذا شيء لا يصدق لبعد التزوير من أخلاق الشريف الرضي. وعلى أي حال فليس في شعر الشريف ما يذكرنا بأنه كاتب ناثر، وإن كان له في