السبب لم يكن في استطاعة شيرين أن تحصل على أي مقدار من اللبن. واشتكت من ذلك يوماً ما أثناء وجود شابور، فأخبرها عن مثّال ماهر، واسع الحيلة، كان زميلاً له في أيام الدراسة، اسمه فرهاد، يظن أن في استطاعته أن يذلل هذه العقبة وأن يعمل شيئاً في سبيل إرضاء رغبتها. وذهب شابور فأحضر فرهاد. وما كاد هذا يقف بين يدي شيرين ويتطلع إليها، حتى غمره حبها وتولاه الذهول، فلم يفقه من كلامها شيئاً، واضطر أصدقاؤه بعد ذلك أن يفسروا له رغبتها، وأخذ فرهاد في تنفيذ ذلك بجد واجتهاد، حتى أمكنه بعد شهر واحد أن ينحت في الصخر قناة تخترق الجبل، وتصل بين القصر من ناحية وبين المراعي من الناحية الأخرى. وأخذ رعاة الأغنام يحلبون اللبن ويسكبونه في القناة فيجري فيها إلى القصر، وبذلك صار في إمكان شيرين أن تحصل في صباح كل يوم على ما تحتاج إليه من اللبن الطازج. وأعجبت بهذا العمل الهائل الذي يفوق مقدرة البشر، فأطنبت في مديح فرهاد، وأرادت أن تكافئه بما يريد من الذهب والأحجار الكريمة، ولكنه أبى أن يأخذ شيئاً، وفر هارباً إلى الصحراء، حيث هام على وجهه كالمجنون.
سمع خسرو بهذا الحب فأرسل من أحضر فرهاد من الصحراء، ولما مثل بين يديه، حاول أن يثنيه عن حبه لشيرين، ولكنه لم يفلح بالوعد ولا بالوعيد أن يزحزحه قيد أنملة بعيداً عن ذلك. وأخيراً عمد خسرو إلى الحيلة، فوعده أن يزوجه شيرين، إذا استطاع أن يشق طريقاً في صخر جبل بيسُتون ظناً منه أن ذلك سيصعب عليه. ولكن فرهاد وافق في الحال، وقبل هذا الشرط، ورحل إلى جبل بيستون، حيث بدأ بنحت لوحة عليها صورة شيرين وخسرو وشبديز، وجعل من صورة شيرين رمزاً لحبيبته، لكي يراها في كل لحظة تطل عليه لترى بنفسها مقدار كده وتعبه وما يبذله من العناء في سبيل الزواج بها، ولكي يلجأ غليها في ساعات فراغه ليبثها غرامه وشقاء قلبه في حبها. وبلغ شيرين ذلك، فجاءت إلى جبل بيسُتون لتسري عن فرهاد، ولكنه عندما فوجئ برؤيتها، كاد أن يفقد صوابه، لفرط ما طغي عليه من سرور، فأشفقت عليه شيرين وأعطته جرعة من شراب، تمكن بها من استعادة صوابه الفاقد، فحدثها عن مبلغ هيامه بها وعن حالته التعيسة.
وفي (شكل١) جاءت شيرين لزيارة فرهاد، وهي راكبة على جواد أصيل، عند ما علمت بما يكنِّه لها من الحب المبرح، ونراه هنا - ومعه أدوات النحت - حيث يعمل في الطريق