يطل عليه أبدا - من حيث يدري أو لا يدري - شبح المأساة. ولم تباطئ المأساة مصحتك، إذأوعدتها العوادي أن تجعلها حصيدا كان لم تغن بالأمس، وكان لم تبرح طوال عشرين عاما جمة المآثر، جلية الآثار! فوا أسفاه على بلد ترتجل سياسته فلا يقر لها قرار، ولا ترعى فيه حرمة دار حياها الله من دار! هذا ومن ورائنا أوائل شيدوا، وأمامنا أقوام بنو، فإذا دورهم العامة معالم مكتملة للمقومات، بل شخصيات معنويات، تذكر بذكريات، وتمجد بامجاد، وتعيد لها الأعياد، ويطاول بها الدهر خوالد باقيات ترى لو صح أن الأرواح تحوم هائمات، والأصوات تختزن مكنونات، حيثما تجرى تصاريف الأقدار، ويطاح بالآجال والآمال، ولو أتيح بما أجن في ضمير الغيب من أفانين المخترعات أن تتبدى تلك الأرواح مرئية، وتنطق هذه الأصوات العيية فأي روع وهول كان عساه يتفجر من أرجاء المصحة حمما ودويا، إزاء أمانة أشفقت من حملها الرواسي ولم ترع أنسيا! لكأني أخال ما أتخيل وأتسمع بين تلك الأصوات المدوية صديق دراستي، ذلك الطبيب النافع الذي يقيالآن على مرضاه مما أفاء الله عليه من العافية بالصحة، وهو يجار مستصرخا: لا تنخبوا الدور على منخوبي الصدور، وقد وسع الله عليكم رحابالأرضو جنبات القصور.
وبعد، أي صديق عبد الرؤوف! لئن ضاق صدرك، فقد انطلق لسانك، وبلاغا أبلغت، وربك أشهدت، ولله الحكم، وإليه ترجع الأمور!