بسفح الدموع قضى نحبه في البيت الأول على يد الأسمر، وكذلك كان مصير فقدان القلب تباعاً من توديع الراحلين المتتابعين في البيت الثاني، وهكذا لحقت بقية الأرواح النابضة في أبيات الزين يروح صاحبها وانتقلت إليه في العالم الآخر. وانظر إلى الزين يستبقي الدهر بعض فؤاده ويسأله أن يدع من ماء الجفون، ليقضي حق الصاحب الورود ويستجيب لداعي البين حين يصيح الناعب، ثم انظر إلى الأسمر الملول الذي يطلب الراحة للشعر، فالأول يندمج في جو الحزن ويستعذب بكائه ويستبقي للآتي بعده، أما الثاني فهو ضجر من وقته من وقفته يستعجل الخلاص منها، فيقول:
أما يستريح الشعر في كل ساعة ... رثاء لحر، أو رثاء لصاحب؟
ولست أدري لم يرثي (الصاحب) إذا كان شيئاً آخر غير (الحر)! كما لا أدري معنى التنويع بين الحر والصاحب، ولم لا يكون الصاحب حراً؟
وبعد فقد كان أحمد الزين وفياً لأصدقائه الراحلين من الأدباء والشعراء، حتى لقد مراثيه عليهم، فهل هذا جزاؤه ممن رحل عنهم من الأصدقاء؟ لكأنه كان يقول في نفسه حينما قال في حافظ:
وفيُّ الرسل بين معاشر ... نصيب الحمى منهم وفاء الثعالب
يدورون بالأمداح يبغون مأرباً ... فيا ضيعة الأوطان بين المآرب
أو كما قال في ختام هذه المرئية الخالدة:
إذا الشعب بالإهمال أرسب عالياً ... فلا بدع لو يعلو به كل راسب
بين مدير الإذاعة وأم كلثوم:
لم يعد خافياً ما نشأ من خلاف بين الإذاعة وبين أم كلثوم في شأن إذاعة مسجلاتها الغنائية. ويظهر أن الأستاذ محمد قاسم بك المدير العام للإذاعة قد هالته طلبات أم كلثوم الباهظة فوقف في سبيلها. ومن هنا نشأت بين الاثنين معركة طريفة. تستمد طرافتها من مظهرها، فقد كتب الأستاذ محمد التابعي يدافع عن أم كلثوم ويقول باستحقاقها ما تطلب من مال، ويهاجم شخص المدير. ورد عليه الأستاذ عبد الرحمن الخميسي بمقال في جريدة (المصري) عنوانه (الأغاني في السوق السوداء) وصف فيه الأستاذ التابعي بأنه صديق أم كلثوم. ونشرت (البلاغ) مقالا بعنوان (الآنسة أم كلثوم تتقاضى أكبر مرتب في الدولة) ثم