للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بل مات منتحراً أثر اضطراب نفساني أصابه، يأساً من حياته المترعة بالآلام والأوصاب. فأحرقت جثته في حضرة صديقه العظيم بيرون، ودفنت بقاياه، حيث كتب على قبره باللاتينية:

(هنا يرقد قلب القلوب الشاعر بيرسي بيش شلي) وفي أسفل منها بيت من شعره يقول: (لقد عاش ومات وغنى وحيداً)

وهكذا انتهت حياة خذا الشاعر الستوحد الغريب بفاجعة من أعنف الفواجع التي عرفها تاريخ الأدب الحديث

ما كان شلي ممن يأخذ بدخيلات عصره، وتوافه بيئته؛ فقد عاش ما عاش هائماً في أجواء نفسه، وأقطار أوهامه، (مأخوذا بالسماء المكوكبة الساطعة بالأنوار) وبكل مظهر من مظاهر هذا الوجود الرحيب. فأثر ذلك تأثيراً عميقاً في روحه الفنية، وطبعه بتلك الانطباعات المتسعرة التي اعتصرت روحه العبقري على أساس من الثورة والألم، إلى جانب تشاؤم في الحساسية عميق، أشعره بالآم العصر الذي يضطرب فيه، وشاع في جوانب نفسه ميولاً متدفقة قوية، ولكنها تتأرجح بين (الشؤاطئ الزرق البعيدة الحالمة)، وبين (الجروف الصخرية الصماء)

فملخص ما يقوله الأستاذ الفيلسوف هوايتهيد فيه: أنه مؤمن بالعلم التجريبي يعالج الطبيعة ومظاهرها تحت ضوئه، في الحين الذي يستند فيه إلى المذاهب المثالية الأخرى مثل: كانت، بركلي، أفلاطون

فهو مزيج من نوازع متباينة تتجاذبه، فمن الناحية الواحدة نزعة إغريقية قوية تؤمن بالطبيعة وتقدسها، ومن الناحية الأخرى إحساس ديني عميق يربط مظاهر الوجود في وحدة كيانية واحدة

(عندئذ اتحد الجسم بالروح

وعرت كيان (أيانث) رعشة رقيقة

فأطقت جفنيها المحتقنين بهدوء

وعند ذاك توقفت الأجرام المعتمة الزرقاء. . .)

ومن هنا كانت ابتداعيته الطامحة، القلقة، المشرئبة إلى مثل إنساني يحرر النفس ويعتقها

<<  <  ج:
ص:  >  >>