للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

من ربقة المادة، وهدآته النفسانية المحلقة في عالم الأحلام: عالم المثل الرفيعة، حيث الحقائق متلاحمة يعروها الغموض. فشعره صورة صادقة للرومانتيكية التي تغلب الإبهام على الوضوح، ولو أنها لا تمت إلى الرمزية بصلة ما. فهي تسبغ صفة الجلال على كل شيء، وتنصر الباطن من الظاهر؛ فهي (رومانتيكية صوفية) بالمعنى الدقيق. وأكبر مظاهرها، ذلك الطرب الساذج - الذي يقرب من العبادة - لغرائب الطبيعة، والتمجيد العنيف لصور الوجود، الذي يذهب بنا إلى حالة انقياد روحي شديد، هي من أسرار الطلاقة الفنية في شعره. ويظهر هذا الأثر واضحاً في قصائده الأخيرة: القبرة، وانتصار الحياة، وأبيسكديون التي حار النقاد فيها، ومنظومتي هيلاس وبرمنيوس، التي يصور فيها الجبروت الإبليسي في شخصية البطل الخرافي بريشة تفوق ريشة ملتون في تصوير إبليسه

وفي الطور الأخير من حياته تأخذ (صوفية شلي الرومانتيكية) شكلها الأخير؛ إذ يخضع للقوى اللاواعية السلبية في النفس، فيستشعر الألفة والإنجسام في صلب الوجود العام، ويدرك أن هناك عقلاً سامياً وراء كل شيء، تتوقف السعادة الدائمة بالاتحاد الحبي به - كما يعبر الصوفيون - بعد أن أنكر ذلك من قبل. وتحت تأثير هذا الشعور الجديد في كيانه، نظم أغنيته الفذة أبيسكديون، التي هي (نشيد باطن) لتلك الروح التواقة لذلك الحب المثالي السامي، ولو أن فيها بعض الأثر من شلي القديم. وقد يخطئ من يظن أن شلي هنا، يبحث عن الحب الحسي الأرضي؛ فما الحب الذي يفتقده إلا الحب الروحي المغرق في المثالية الزاخرة بأحفل العواطف والأشواق، حيث العناق المكين بين الزائل الفاني والخالد الباقي. . . (كل شيء يحول إلا إياك أيها الحب. . .)

والآن استمع لشلي صاحب (ضرورة الإلحاد)، ينشد في آخر سنيه على لسان (النبي محمد) في افتتاحية منظومته السامية هيلاس إذ يقول:

أسرعوا واملئوا الهلال الباهت

بالأنوار الحادة، كتلك التي شقت عتمة ذلك

الليل المسيحي الذي انسحب إلى الغرب

حيث امتطي القمر المشرقي صهوة النصر. . .

<<  <  ج:
ص:  >  >>