للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

لا يطابق ما يرتسم في نفسك من صورة الشخصية كما تتخيلها وأنت تسمعها. ويزيد دلالة هذه الملاحظة أن الصوت ليس هو الشيء الوحيد الذي تستغربه من شخصية بطل الترك أو بطل الإنجليز؛ فإن عزيمة شرشل الحديدية تتراءى لك كأنها في قناع وراء ملامحه الممزوجة بملامح الطفولة والوداعة، وتتراءى لك طبائع مصطفى كمال الغلابة وكأنها تتردد في اتخاذ تلك المعارف الوجهية التي تطل منها في بعض حالاته. فإذا أردنا أن نقول أن العلاقة بين الصوت والشخصية لا تختلف عرضاً واتفاقاً وجدنا الشواهد على ذلك ماثلة في أحوال الاتفاق وأحوال الاختلاف بين الأصوات والشخصيات

ومن المحقق أن قوة الصوت أو ضعفه لا ترتبطان بالحنجرة وحدها، أو بأجهزة الصوت المحلية في مجاري التنفس بين الحلق والرئتين. فإن هذه الأجهزة المحلية قد تكون على ضعف ظاهر من الوجهة الصحية، ولكنها تعطيك صوتاً قوياً يروع السامع وينقل عن (شخصية) صورة تنم على القوة والتأثير. ولا شك أن مئات بين النساء اصح حنجرة وصدراً من مئات بين الرجال. ولكنك تسمع هؤلاء الرجال وأولئك النساء، فلا تخطئ الفارق بين قوة الأصوات هنا وقوة الأصوات هناك. ولعلك لا تخطئ الاستدلال على القوة من صوت المرأة نفسه إذا كانت على نصيب من قوة الشخصية وصدق العزيمة. مما يوحي إلينا أن الرخامة لا تحرم الصوت مزية التعبير عن الصفات الشخصية، حيث تغلب الرخامة على أصوات النساء

وعندك أناس تنطمس فيهم معالم الشخصية، فلا تستغرب لهم صوتاً من الأصوات كائناً ما كان، ولكنك لا تحس أمامك شخصية واضحة المعالم إلا قرنتها بصوت تتوقعه واستغربت أن تسمع لها صوتاً آخر غير الصوت الذي فيما بدر إليك. ودع عنك دلالة الصوت على التهذيب والتربية، فإن هذا قد يرتبط بأداء المعاني وانتقاء الكلمات وصقل المخارج والعبارات، ولكنك إذا أغضبت النظر عن هذه العوارض التي تكسب بالتعليم بقيت للصوت صفة أصيلة تنم على العقل ولا يسهل أن تختلط فيها أصوات العارفين وأصوات الجهلاء، أو أصوات العقلاء وأصوات المجانين

والمسألة فيما أراه قابلة للتعميم في أوسع نطاق، فإن ارتباط الصوت بالخصائص البدنية والخلقية يعم سائر الأحياء ولا ينحصر في الإنسان وحده، بل ربما تجاوزنا الأحياء إلى كل

<<  <  ج:
ص:  >  >>