ما قولك مثلا إذا سمعت زئير الأسد من لحصان؟ أو سمعت مواء الهرة من الخروف؟ أو سمعت عواء الذئب من الثعبان؟
ليس من اللازم أن يكون صوت الأسد مطابقاً للزئير الذي عرفناه وعهدناه، غير أننا إذا سمعنا الزئير من الحصان وسمعنا الصهيل من الأسد شعرنا بالغرابة ولا مراء، وشعرنا بين الصوتين والحيوانين باختلاف يحتاج إلى تصحيح، ويبدو لنا أننا نشعر بهذا الاستغراب وإن سمعنا الصوتين لأول مرة بمعزل عن أثر العادة وطول التمييز بين مصدر الزئير ومصدر الصهيل
ولماذا مثلا لم توهب ملكة التغريد إلا للمخلوقات التي تطير في الهواء؟ ولماذا كانت هذه الملكة في تلك المخلوقات وقفاً على الطيور الصغيرة الوديعة دون الطيور الكبيرة الكاسرة؟ ولماذا هذا الاختلاف بين النسور والبلابل، أو بين الصقور والقماري، أو بين العقبان والعصافير؟
إن الخلائق التي تمشي على الأرض تعبر عن خوالجها ببعض الأصوات المعهودة، ولكنها لا تحسب من قبيل التغريد والغناء، وكذلك النسور والصقور والعقبان تدلك بأصواتها على رضاها وغضبها وعلى مناجاتها وندائها، وتقصر عن تمثيل تلك الأصوات في أنغام كأنغام الطيور التي تحسن الصفير والهديل. فهناك ارتباط وثيق إذن بين تكوين الجسم كله وتكوين الخلق في صميمه، وبين طبيعة الصوت وقدرته على ترجمة (الشخصية) لمن يصغي إليه. وليس اتفاقاً ولا خلواً من المعنى أن يغني البلبل والعصفور، ولا يغني الأسد والثعلب، وإن يكون التغريد على العموم مرتبطاً بالقدرة على الطيران، فإن الصون هنا ترجمان صادق يلخص لنا كثيراً من الخصائص المتفرقة التي تتغلغل في طبيعة البيئة وطبيعة البنية وطبيعة الشخصية في أوسع حدودها، وتلهمنا المعاني التي يمكن أن نستخرجها من تحقيق العلاقة بين أصوات الناس ومعالم الشخصيات، فتفتح لنا فتحاً موفقاً في عالم النفس وأسرار الأخلاق، وتنشئ لنا فراسة جديدة تتم على السريرة بالسماع
ومن الأصول التي يعتمد عليها البحث في هذا الموضوع أننا كما قدمنا نربط بين الصوت والشخصية ونتوقع من كل شخصية معروفة صوتاً يناسبها ويعبر عنها، وإن اتفاق