الصوتين بين الآدميين أندر من اتفاق الوجهين، وهو خلاف المشاهد بين الأحياء الدنيا التي تكاد تتشابه في أصواتها ولا يشذ منها واحد في العشرات أو المئات، ومعنى ذلك أن المسألة أقرب إلى العلاقة النفسية أو العلاقة المعنوية منها إلى العلاقة الجسدية، لأن الاختلاف الجسدي قوة وضعفا وصحة ومرضاً، موجود بين الأحياء الأخرى، فلو كان هو المرجع في اختلاف الصوت لكان التفاوت في الصهيل بين مئات الخيل كالتفاوت في نغمة الصوت وإيقاعه بين مئات الآدميين، وإنما يقع هذا التفاوت البعيد بين الشخصيات الآدمية من جانب الفوارق العقلية والنفسية وفوارق الملكات والأخلاق، فإذا استطاع باحث من علماء الصوت وعلماء النفس معاً أن يعقد الصلة بين مقومات الشخصية ومقومات الصوت الإنساني، فقد ترجم الإنسان للآذان، فضلا عن ترجمته أو تفسيره للبدائه والأذهان
وهذه دائرة من دوائر البحث الفني أو العلمي تتسع لمن يشاء من المعنيين بالأصوات أو بالحقائق النفسية، فليس منا إلا من يقابل أناساً يسمع أصواتهم ويستغرب بعضها أو يمر به بعضها الآخر مرور المألوفات التي لا غرابة فيها، فإذا شغل نفسه قليلا بتفسير أسباب الموافقة والمخالفة بين الشخصيات وأصواتها، فلا شك أنه مهتد إلى شئ يفيده في هذا الباب، وإذا تجمعت هذه الملاحظات وحسن التعقيب عليها والاستخلاص منها، فقد تتقرر بها بعض القواعد التي تقيم لنا علماً صحيحاً عن العلاقة بين الصوت الإنساني والشخصية الإنسانية، وييسر لنا البحث في هذا الصدد أننا نعيش في عصر المذياع والصور المتحركة، ونستطيع أن نمتحن الفراسة بسماع الصوت دون رؤية الشخصية أو بتغيير الأصوات والشخصيات بالحيل الفنية المعروفة، وليس في المباحث النفسي أو الموسيقية ما هو أحق بالعناية من هذا المبحث الطريف