للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

ولذلك يجب على الإنسان أن يفتش عن أسباب نقصه سواء أكان في عقله أم في إرادته، ويعمل على أن يقومه، ولا ييأس من طول مدة التقويم، ويثابر على معالجة عقله وإرادته حتى يصل إلى مكانة من الرقي الروحي ينمحي فيها شعوره بأي نوع من الآلام سواء أكانت من تلك الآلام التي تنتاب النفس حين يصدر عنها أثم من الآثام، أو من تلك الآلام التي تطرأ عيها عند الفشل في أداء عمل من الأعمال.

أما عن الآلام التي سببها اقتراف الخطايا، فترجع إلى جهل الإنسان بجوهر حقيقته وغفلته عن إن إرادته مرتبطة بقانون خلقي ليس إلا صورة من صور سرور الله التي تتجلى في الكون؛ وأنه يجب على النفس أن تعلم أن الله مستقر فيها في قالب القانون الخلقي، كما يجب على الإرادة أن تأتمر بأوامر هذا القانون، فإنه هو الذي يفك أسرها ويساعدها على تحطيم قيود الرغبات والأهواء، ويفتح لها الشعب لتنساب تدريجياً إلى نهاية الله وتوصلها إلى تلك الحالة الروحية التي تبلغ بها ملكوت السماء، فيستحيل عليها ارتكاب الذنوب التي تقلقها وتبعث فيها الأحزان، وإنما تمتعها بنعيم الحياة في الحقيقة المطلقة الأبدية التي لا تتباين فيها جميع الموجودات. بينما الفشل في العمل يمكن التغلب عليه بتنمية المواهب، وترقية الملكات، وتربية المهارات عن طريق العلم والعمل، لأن التزود بثقافة توسع من أفق المعرفة، وتزيد من قوة الإدراك، تجنب الوقوع في غلطات تجلب مشكلات شاقة. وان ممارسة العمل ممارسة واقعية تكسب دراية عملية، وبراعة فائقة في أدائه إلا أن كثيرا من الناس يزعمون أن هذه البراعة لا تكتسب بدون مشقة ترهق النفس وتذيقها بعض الآلام، وان الذين نضجت مداركهم ومهرت قدراتهم لا تخلو حياتهم من الآم ومتاعب، فضلاً عن إن مجرد وجود الإنسان في الحياة يكلفه عذابا دائما، إذ يتطلب منه كفاحا متواصلا ليحصل على ما يوفر له حاجاته المادية.

ولكن طاغور يسخر من هؤلاء القوم ويصورهم في صورة من يحسب ثقل ضغط الهواء على جسم الإنسان، فيجده ثقلاً هائلاً فيبالغ في تقدير ما يرزح تحته جسم الإنسان من أحمال، وينسى أن من خواص هذا الجسم أن تتعادل مقاومته مع هذا الضغط، بحيث لا يشعر بأي شيء ينوءه حمله، فإن كل ما يلاقيه الإنسان في الحياة من محن وخطوب لا يفوق الطاقة البشرية، ويشبه إلى حد كبير ضغط الهواء الذي لا تكاد تحس بوجوده، وإن

<<  <  ج:
ص:  >  >>