المغول استصحاب نسائهم في الحروب فربما عرضت للأمير فرصة لمح فيها زوجة صديقه الشابة الفاتنة. ويقول بعض الكتاب أنه رآها عدة مرات ترتع في حدائق القصر وردهاته فأسرت فؤاده وسكن طيفها قلبه حتى آخر عمره.
وسارت الأحداث سيرها إلى أن توفى (أكبر) واعتلى (سليم) عرش أبيه بعد حوادث دامية في الرابع والعشرين من شهر أكتوبر عام ١٦٠٥ وصار يعرف باسم نور الدين محمد وبكنيته (جاهان جير) أي القابض على ناصية العالم. وفي يوم ما تذكر صديقه القديم فاستدعاه وصفح عنه واسند إليه منصبا كبيرا بعيدا ببنغالة. وهنا تختلف رواية المؤرخين، فبعضهم يقول إن حب (مهر النساء) استبد به وعصف بقلبه فأرسل إليها رسولا خاصا يغريها بهجر زوجها والالتحاق بالإمبراطور المتيم بها، فأبت كل الإباء، وغضبت لهذه المساومة الدنيئة وكذلك ثار زوجها لشرفه، فأوعز الرسول إلى الحاكم أن يغتاله، فاغتيل مدافعا عن كرامته وعرضه، ثم حملت زوجه وأبنتها الطفلة إلى العاصمة وألحقتا بجناح الملكة (سليمة). والبعض الآخر من المؤرخين ينفي هذه الرواية بل يستنكرها بقوة قائلا ببراءة الإمبراطور من هذه التهمة القذرة، ويفسر ما حدث بأن الأخبار ترامت إلى الإمبراطور بأن (شر أفغان) ثائر عليه باستدعائه إلى العاصمة ليشرح موقفه منه، وليمتحن إخلاصه له، فأبى. وعند ذلك أراد (قطب الدين كولا) حاكم بنغالة أن يقبض عليه فعلاه (شر أفغان) بسيفه وأصابه بجراح بالغة، وعند ذلك انقض عليه حرسه وقطعوه بسيوفهم إربا. وهكذا فصل الموت بين ذينك القلبين المتحابين بعد ستة عشر عاما من زواج سعيد موفق.
وفي شهر مايو من عام ١٦١١ أي بعد ست سنوات من اعتلاء (جاهان جير) العرش وبعد أربع سنوات من مقتل (شر أفغان) أعلن الإمبراطور زواجه من (مهر النساء) بالغا من العمر اثنين وأربعين سنة، أما هي فكانت تصغره بتسع سنوات. وهكذا أصبحت الطفلة التي ولدت من أب رقيق الحال، والفتاة التي أوردها الحظ موارد النعيم، والأرملة الشابة الفاتنة التي بكت زوجها الحبيب أربع سنوات، إمبراطورة لدولة عظيمة، وهكذا بدت هذه المرأة الفذة تملي والتاريخ يكتب.
نحن لا نعلم على وجه التحقيق كيف رضيت أن تتزوج من الإمبراطور بعد طول إباء،