واغلب الضن أنها توسمت فيه أداة المجد والشهرة، ووسيلة لتحقيق مطامعها الواسعة. ولكن دلت كل الدلائل فيما بعد أنها أحبته وأخلصت له مثلما أحبت زوجها الأول وأخلصت له. أما هو فقد هام بها هياما شديدا وأخذ يغمرها بأجزل العطايا الثمينة، ويغدق عليها اكثر ما يمكن أن يغدقه إمبراطور عظيم على آسرة روحه، ومصدر سعادته، ثم أنه اشتط فأمر بنقش اسمها بجوار اسمه على النقود الشيء الذي ليس له نظير في التاريخ الإسلامي. وكان يدللها بأعذب الألفاظ وارقها فسماها أولا (نور محل) غير أنه استقل ذلك فعدله إلى (نور جاهان) أي نور العالم، وهو الاسم الذي عرفت به حتى الآن. وإذا علمنا أن (جاهان جير) كان رجلا فظا غليظ القلب، سريع البادرة، صريع الخمر، لدهشنا كيف استطاعت هذه المرأة القديرة أن تسيطر عليه وتجعله طوع بنانها. فإذا ما انتابته نوبة من نوبات الغضب الجارف لم يجرؤ أحد أن يدنو منه سوى زوجته الحبيبة، فتطفئ تلك النار الخبيثة التي تأكل روحه بلمسة رقيقة أو بسمة مشرقة أو كلمة عذبة، فينقلب رادعا مستسلما، فكانت بحق مروضته الوحيدة.
ومن أهم مزاياها التي أسرت بها القلوب واستعبدت الرعية، الكرم الحاتمي والعطف على الفقير الذي كانت له بمثابة الغيث ينزل على الأرض الجديبة فيحييها. لم ترد طالبا رفد، أو تخيب أمل قاصد. وكانت راعية الفتيات الفقيرات تزوجهن وتمهرهن وتيسر لهن العيش الكريم. وكم من ضعيف حمته ومن مظلوم أنصفته وانتصفت وانتصرت له. ثم إنها شملت أقاربها بسامي رعاياها، فجمعتهم حولها وأسندت لهم المناصب العالية، فاصبح والدها رئيسا للوزراء مع لقب اعتماد الدولة أيضا، كما أصبح من اعظم رجال الدولة مالا وجاها.
وفضلا عن جمالها الساحر وأنوثتها الجارفة كانت (نور جاهان) شاعرة مجيدة، مرهفة الحس، واسعة الأفق والخيال، مصقولة الذوق، عالية الثقافة، ملمة بالآداب الفارسية والعربية، فكانت تهدهد الإمبراطور بشعرها العاطفي الرقيق، وبمقطوعاتها العذبة المسكرة. وكانت تضع جميل الرسوم للمنسوجات، وتبتكر الأزياء في الملابس والحلي بذوق رفيع نادر لم يعهد من قبل في بلاط الإمبراطور.
ومن عجب أن امرأة هذه بعض صفاتها تكون قوية البنية، صلبة الخيزرانة، مولعة بالألعاب الرياضية، بل وفارسة من الطراز الأول، تمتطي صهوات الجياد، وتخوض