المعارك بشجاعة نادرة وثبات عجيب، فلا يطرف لها جفن، أو يتزلزل لها جنان في أخطر المواقف وأخطر الملمات. وكثيرا ما وافقت زوجها في حفلات صيده وقتلت بعض النمور المفترسة أمام الإمبراطور المعجب، الذي لم يسعه مرة إلا أن يهدي إليها سوارين من الماس النادر، وأن يأمر بتوزيع ألف كساء على الفقراء، إعرابا عن فرط سروره ببطولة زوجته. وسوف تقف على المزيد من ضروب شجاعتها بعد قليل.
وبجانب هذا كله استطاعت (نور جاهان) أن تدير شؤون الملك بيد حازمة، وعقل راجح، وعين يقضة ثاقبة، تنفذ بها إلى بواطن الأمور، وأعماق السرائر، فلم تفتها شاردة ولا واردة من شؤون الدولة، وأحاطت بجميع المسائل السياسية والعسكرية إحاطة تامة، حتى تهيبها رجال السيف والقلم، الذين لم يكونوا أندادا لمناقشتها، فكانوا يأتمرون بأمرها راكعين. أما أكابر البلاد وسراتها، فكانوا يقدمون لها فروض الطاعة، ويبتغون مرضاتها، علما منهم بان سعادتهم أو شقاءهم رهن بكلمة تخرج من شفتيها، أو بإشارة عابرة من يدها، حتى لقد قال عنها بعض المؤرخين:(إنها قوة من وراء العرش)
ولو إن الأمور اقتصرت على ذلك لختمت هذه المرأة حياتها خاتمة سعيدة ولتمت لها حياة راضية هنيئة لم تتم لامرأة أخرى. فقد كانت إيثارها لأفراد أسرتها ومحاسبيها، وخصهم بأرفع المناصب عاملا من العوامل التي أوغرت عليها بعض الصدور، وبابا تسربت منه عوامل الفساد والرشوة واستغلال النفوذ.
ثم إن مطامعها أملت عليها أن تضمن العرش لابنتها من زوجها الأول، فكيف دبرت ذلك.
كان للإمبراطور أربعة أبناء هم خسرو وكرام وبارفز وشهريار. فأيهم تختار؟ كان خسرو ثائرا على أبيه، واشتبك في عدة معارك دموية مع جيوش الإمبراطورية، ولكنه هزم في آخر الأمر، وسملت عيناه وأودع السجن. ومع ذلك فقد كان محبوبا وله أنصار كثر. وأما كرام فقد فكرت فيه كثيرا، وراقبته طويلا، وأيدته إلى حين غير إنها عدلت عنه لما تبين لها من قوة شكيمته، وشدة مراسه، فضلا عن إن أخاه (أصف خان) سبقها إليه وزوجها من ابنته. وأما بارفز، الوارث الشرعي للعرش، فكان تافه الشخصية، احتضنه (مهابت خان)، القائد الكبير الذي ناصب (نور جاهان) العداء، (واخذ ينصب حولها شباك المؤامرات. إذا لم يبق أمامها سوى (شهريار) الذي زوجته ابنتها في عام ١٦٢٢ وسندته بقوة، وأخذت