للعرب في البوادي وفي البراري المتصلة بالمدن والقرى ولع بالصيد منذ عصور الجاهلية. وقد عنى شعراء الجاهلية بوصف الصيد، أدواته وحيوانه وحركاته. فأما أدواته فالقسى والسهام والشباك والحبائل وغيرها. وأما الصيد فكل دابة وطائر، ولكن معظم عنايتهم كانت مصروفة إلى الحيوان الكثير اللحم. فعنوا بحمر الوحش وبقره والغزال. وضربوا المثل بحمار الوحش فقالوا:
(كل الصيد في جوف الفرا)
ولسنا في حاجة إلى ذكر طرف مما وصفوا به الخيل أو القسى والسهام، فقد كانت حاجتهم إليها شديدة في الدفاع عن أنفسهم فوصفوها في مقامات مختلفة أوصافا ذائعة معروفة
وإنما أذكر من الحيوان الذي يصاد به، الكلب. وقد افتن العرب في تعليم الكلاب ووسمها، ووصفوها وصنفوها ونسبوها وسموها. قال الجاحظ:(ولكرامها وجوارحها وكواسبها وأحرارها وعتاقها أنساب قائمة، ودواوين مخلدة، وأعراق محفوظة، ومواليد محصاة، مثل كلب جذعان، وهو السلهب ابن البراق بن وثاب بن مظفر بن محارش. وقد ذكر العرب أسماءها وأنسابها). وقال في موضع آخر:(والكلاب أصناف لا يحيط بها إلا من أطال الكلام. وفي الجزء الثاني من كتاب الحيوان فصل طويل عنوانه: (صفة ما يستدل به على فراهة الكلاب، وشياتها وسياستها). وفي هذا وغيره مما نقل عن العرب دليل على عنايتهم بالصيد وكلابه عناية كبيرة. وقد أثبت الجاحظ في الجزء الثاني من الحيوان قصيدة لمزرد بن ضرار فيها أسماء الكلاب وأنسابها وأوصافها. وسيمر القارئ بنبذ في وصف الكلاب أثناء وصف الصيد
وقل أن نجد في الشعر الجاهلي وصف الصيد في قصائد خاصة به كالطرديات التي ذاعت في العصور الإسلامية؛ ولكن يذكر حين تذكر الفروسية والشجاعة، وحين يذكر الشباب ولهوه. وعجيب أن أكمل الصور في وصف الصيد جاءت استطراداً في وصف الإبل؛ يذكر الشاعر السفر ويصف ناقته فيشبهها بحيوان سريع قوي كحمار الوحش وثور الوحش، وأحياناً يشبهها بالغزال والنعامة. ولا يكتفي بهذا التشبيه حتى يصف هذا الحيوان القوي السريع وهو يعود فزعاً من الصيادين فيصف ما يقع بين الصيادين وكلابهم وبين الحمار أو الثور. وقد ألف شعراء الجاهلية هذا الوصف حتى توسلوا إليه بالصلات