على الأساتذة، وإنما كانت تقع على الطالبات، وهن في دروس الأدب أكثر من الطلاب. والفتيات هناك يفهمن وحي العيون، وكان يتفق أن تلقاني فتاة بعد المحاضرة فتقول: من فضلك يا سيد، هل عندك مذكرات عن دروس المسيو شامار؟ فأجيب: نعم، يا آنستي! فتقول: هل تتفضل فتعيرني إياها لأنسخها ثم أردها إليك؟ فأقول: وهل لمثلي أن يرفض ما تطلب هاتان العينان! فتنظر الفتاة إليّ نظرة سخرية وتنصرف!
وحدث مرة أن قالت لي فتاة ريَّا الجسم كأنها من دمياط: هل لك يا سيد أن تتفضل فتعيرني مذكراتك عن دورس المسيو مورنيه؟ فقلت: لك ذلك يا آنستي، ولكني لن أعود إلى السوربون إلا بعد يومين. فهل أستطيع أن أراكِ غداً عندي في الساعة الخامسة لأقدم إليك المذكرات؟ فأجابت بالقبول بعد أن استفهمتْ عن أسم الشارع ورقم البيت
وما كاد يحين الموعد حتى كانت المائدة مجهزة بأطيب ما تعرف فرنسا من ألوان الشراب. ثم مضت ثوان ودقائق وساعات، ولم تحضر الفتاة، عليها وعلى أمها اللعنات!
وفي ذات يوم قالت إحدى زميلاتي في الدرس إنها تجيد الرقص، فقلت إني لا أحسن منه غير (الحنجلة)، ورجوتها أن تعينني على إتقان ذلك الفن الجميل، فأجابت جواباً كله إغراء.
ولكنني اشترطت أن يكون ذلك في غرفتي حتى لا يعرف أهل باريس أنني رجل (غشيم)
وانتظرت، ثم انتظرت، ثم انتظرت، ولم تحضر الراقصة الحسناء!
ولم تمض أسابيع حتى شاع في جميع أروقة السوربون أني فتى ماجن خليع، فكنت ألقي أطيب التحيات ولا يجيبني مجيب. والشيطان يشهد أني كنت في ذلك العهد أعظم مغفل عرفته باريس
ونظرت فرأيت فتياناً أقل مني فتوة وجاذبية يعيشون في ظلال الحب عيش الملوك، فعرفت أنهم يحسنون ما لا أحسن من فن الغرام، وللغرام فنون
ولكن أين أذهب؟ لقد ضاع حظي في كلية الآداب، فهل أذهب إلى كلية العلوم؟ وكيف وهي أيضاً من السوربون؟ فلم يبق إلا أن أذهب إلى كلية الطب لأقيم فيها تجارب الحب من جديد، بعيداً عن جو الأراجيف الذي خلقتُه خلقاً بفضل الغفلة والجهل
وكانت فرصة عرفت فيها قيمة الشر في خَلْق الرجال. فلولا الحب ما عرفت كلية الطب؛