المتعلمين، لأننا نريد أن نجعل قواعد النحو والصرف والبلاغة فوق العلم بها ملكات لنا مختلطة بلحومنا ودمائنا غائصة في أعماق نفوسنا وداخلة في منطقة اللاشعور فينا
لقد ظفرت اللغة العامية مع عدم الاحتفال بها والعناية بتعليمها بأن صارت ملكة في النفوس، فغلبت اللغة العربية التي لم تظفر بذلك إلى الآن، وكانت لغة البيت والشارع والمدرسة ولغة الدرس والخطاب ولغة الأغاني والمسرح والخيالة، وليس للغة العربية حظ في شيء من ذلك إلا أنها لغة الكتابة، والذين يكتبون بها قليل، وهذا القليل لم يكتسب الكتابة من القواعد وتعلمها، إنما اكتسبها من طريق الحفظ والقراءة وتذوق الكثير من بليغ المنثور والمنظوم ومن مزاولة الكتابة والكلام بها، حتى اكتسب نماذج ذهنية في نفسه ومناطق اللاشعور فيه، يتكلم على مقتضاها، وينسج على منوالها، فلم لا نسعى لرفع اللغة العربية من مجالها الضيق المحدود إلى المجال الواسع غير المحدود؟
لم نتركها خافتة ضئيلة النفوذ محدودة السلطان بعيدة عن الجماهير وعن كثير من الخاصة لا تعرفهم ولا يعرفونها مقصورة على طبقة قليلة من خاصة الناس؟
إنما أريد بما أعرض من هذا التوجيه الجديد أن ننقذ اللغة العربية من سيطرة العامية وأن نوسع دائرة نفوذها في شؤون الحياة
يا سبحان الله! أيعلم كل صانع في الدنيا أنه لا يحذق المتعلم صنعته إلا بالمرانة والتكرار، فلا يكتفوا بإلقاء القواعد للمتعلمين وحفظها بل يأخذوهم بالدربة والمرانة على أعمال صنعتهم الجارية على حدود قواعدها، حتى يحذقوا صناعتهم، ولا يعلم ذلك رجال العلم في بلاد الشرق منذ آماد طويلة، فاكتفوا في تعليم اللغة بدراسة قواعدها ورأوا تلك السبيل المثلى في تعلمها، وأنها تفيد الطالب الناشئ، وتجعله قادراً على التعبير بها في صحة وإتقان! ومن عجب أن إخفاق القرون في هذا السبيل لم يصرفهم عنها ليبحثوا عن منهج أسد، وطريق أقوم.