أن يكون معدن أهلها كمعدن أهل غيرها من بلاد الله. وأنها لابد تمتاز على من عداها في حسن فطرتها وقوة ملكاتها وسلامة استعدادها.
ولئن كانت قد طغت على هذه البلاد موجات من الضعف والتأخر فهذه هي سنة الطبيعة في كل شيء. فما من شعب يدعى اضطراد سيره في سبيل التقدم والرقي منذ خلقه الله، وأنه لم يطرأ عليه من عوامل الضعف ما جعله فريسة لغيره من الشعوب (وتلك الايام نداولها بين الناس)
ولئن صح ما يقال من أن دولا كثيرة استعمرت مصر، فصحيح أيضاً أن مصر من دون البلاد التي استعمرت كانت هي التي تأكل مستعمريها وتطبعهم بطابعها قبل أن تنطبع هي بطابعهم!
لقد حكم الاتراك مصر واشتهرت تركيا بفخامة مساجدها وعظمة قصورها. وأن هذه المساجد وتلك القصور لتشهد للصانع المصري بأنه هو الذي زينها ووشاها، ورفع سمكها وسواها.
ولقد ولى (محمد على الكبير) أمر مصر ولم تك إلا نفخة قوية من صدره الشديد حتى انجاب عن جمرة مصر رمادها الذي خلفه عليها عجز المماليك، فتوهجت هذه الجمرة ونضنض لهيبها ثم اشتعل واندلع لسانه طويلا فلف فلسطين والشام والحجاز والسودان وكاد يحرق استامبول نفسها، وروعيت أوربا من طغيانه نحوها، وأشفقت على سلطانها في الشرق أن تلفحه هذه النار، فاجتمع العالم الغربي كله ليقف في وجه مصر ليكبح جماح المصريين يوم أن أفاقوا من سباتهم وتفتحت أعينهم من جديد على النور!
هذا هو الشعب المصري الذي لا يمكن إلا أن يكون عظيما لأن العظمة في دمه ولحمه. في ماضيه وحاضره. في أرضه وسمائه!