والضعف حتى من بعض مؤرخي العرب كأن لم يكفنا ما نلقاه نحن وهم على يد الافرنج من التجني إذ يقولون عنا - ويقصدون بهذه اللفظة المفردة كل ما تنطوي عليه الفاظ الوحشية والهمجية والتأخر من المعاني!
ولعل الوقت الحاضر أنسب الاوقات للأكثار من البحث في هذا الموضوع ورد الحق الى نصابه والأشادة بمكانة المصري ومقدرته وما يمكن أن يأتيه من جلائل الأعمال لو تهيأت له الظروف. فلقد رأينا أخيراً أن هذه الدعوى التي رمانا بها مؤرخو العرب وغيرهم قد بات يحلو ترديدها في قم بعض المصريين أنفسهم عن يقين منهم بصحتها. وتلك آفة الآفات والنكبة التي ما بعدها نكبة لهذه البلاد، فان الايحاء أفعل من السحر. وانك لتستطيع أن تستأنس النمر الشرس لو أتيح لك أن تفهمه أنه هر أليف، ثم تمضي تردد على سمعه هذا القول الهراء. فلينظر الذين يحلو لهم ترديد مثل ذلك القول المنكر إلى أين يهبطون بأنفسهم وبجيلهم يهرفون بما لا يعرفون!
لقد قالوا إن الشعب المصري شعب ذليل بحكم سمائه وارضه. كذبوا، فان سماء مصر وأرضها لا تنبتان الذل وانما تنبتان العزة والقوة والقدرة على الاستذلال. وإني لأستنكف أن أذكر الفراعنة في هذا الصدد حتى لا يقال احتمى بمجد أمة ماضية، ولاذ بعزة قوم غابرين. ولكني أكتفي بأن أنظر الى ما عليه مصر الآن. فان هذه البلاد العجيبة لما ينقض على نهضتها الأخيرة ربع قرن، ومع ذلك برز من بين أبنائها أبطال عالميون في مختلف ميادين الحياة. لقد ظهر فيها اسماعيل سرى المهندس، وعلى ابراهيم الجراح، وخليل عبد الخالق البيولوجي، ونبتت فيها لطفية النادي الطيارة، ومحمود مصطفى المصارع، وسيد نصير الرباع، ونشأ بين أرضها وسمائها طلعت حرب المالي الكبير. ولست أذكر رجالا ظهروا في مستهل هذه النهضة ففتحوا الشام وهزموا الوهابين واستعمروا السودان. فكل أولئك وغيرهم ما كادوا يلجون ميادين أعمالهم حتى تخطوا كل قرنائهم في أنحاء العالم. وحملوهم على التنحي لهم عن الصدر فتبوأوه ورفعوا راية مصر عالية فوق رؤوس الجميع.
فما هو مدلول هذه الظاهرة عند كل ذي عينين غير أن الأمة التي أنجبت كل هؤلاء الأبطال في جيل واحد - وفي هذه الظروف القاسية التي تجتازها مصر الآن - لا يمكن