أفأنت تعلم أين تجد هاتين الخبيثتين؟ قال: لا. قالت: فما تزعم فتاتك من أن لا شيء يفعله الخبيث ابن هلال إلا كان عندك خبره؟ قال صدقت. قلت: فكيف لا تعلم؟ قال: إنه أخبث والأم وأضل وأدهى وأقرب إلى إبليس وبنته بيذخ ذات العرش من أن أطيق معرفة ما أنقطع بيني وبينه. قلت: وما بيذخ ذات العرش؟ قال: إنها ابنة إبليس التي اتخذت عرشها على الماء، حولها سواد غلاظ يشبهون الزط، حفاة مشققو الأعقاب، ولا يصل إليها من قدم لها القرابين من حيوان ناطق وغير ناطق، وترك لها من الصلاة والصوم، وقدم إليها من ذهب وفضة واللآلئ حتى ترضى، فإذا فعل ما تريد وصل إليها فسجد تحت عرشها، فتخدمه من يريد وتقضى حوائجه. قلت: وما علمك بهذا أيها الشيخ؟ قال: ذاك شيء قد كان والله هو التواب الرحيم. قلت: قد كان! قال: نعم أما اليوم فلا، وما يأتيني بأخبار اللعين الزندبق ابن الهلال إلا صاحب من الجن قد آمن بإيماني، ولكنه محجوب عن الأسرار. قلت: أفلا تكرمني أيها الشيخ فتسأل صاحبك أن يحتال ليعرف؟ قال: لا أدري. ولكن ائتيني بطست أناطق صاحبي.
(فأتيته بطست فكبه، وأخرج من كمه غلالة سوداء فنشرها عليه، وأمر بالفتائل فأطفأت، وطلب جمرات في طبق. فلما تم ذلك اخرج عوداً من المنديل فطير دخانه، وجلس وأختبئ، وإن عينيه لتبصان في الظلماء، وجعل يتمتم ويدندن ويهمهم حتى كدت أنشق، ثم قال: يا زوبعة! فإذا صوت يأتي كأنما يخرج من جوف بثر شطون يقول: لبيك أبا الحسن! قال: أتدري أين أنا؟ قال: بلى دريت! قال: إنه حضرني من الأمر ما تعلم، أفأنت بمدركي بمأوى الخبيثتين قينتي أبن هلال؟ قال: لقد علمت مالي ببيذخ طاقة بعد أيماني بالله ورسوله قال: أفلا تحتال؟ قال: تباً لك من شيخ سوء أترومني أن أرتد إلى الكفر بعد الإيمان؟ قال: مهلاً زوبعة! أما لك من صديق تزفق به حتى تستل منه السر؟ قال زوبعة: هذا فراق بيني وبينك أيها الخبيث. ووالله ما تزكت السحر إلا وفي قلبك رجعة إليه. خسأت أيها الفاجر!). وإذا الطست يتحرك فينقلب فأرى كمثل أم جوان، لقد رأيت، ومالي من حيلة. قلت: احتل لي وقاك الله السوء، ولا والله لا تخرج من هذه الدار حتى تعطيني المواثيق بأن تفعل ما أريد. قال: يا أم جوان، وكيف بعذاب الله؟
(قالت كلثم: فوالله ما أن سمعت مقالته حتى خانتني قدماي فوقعت أبكي ويرفض دمعي