فهم مرامي إرادتنا، إلا إذا تمعنا جيداً في مغزى أحلامنا
ولكن كيف السبيل إلى ذلك؟ وضع (فرويد) طريقة لحل الأحلام المعقدة، فابتدأ بالسهلة البسيطة منها ثم قارب بين الشكل الأول والشكل الأخير؛ والأحلام كالزهرة التي لا تعرف حقيقتها إلا بعد درس أصولها المغروسة
ابتدأ (فرويد) بأحلام الطفل الصغير بدلاً من أن يبتدئ بأحلام المراهق، لأن الطفل الصغير لا يعي بينما المراهق يعي ويكتب؛ والطفل الصغير لا يكتنز خياله إلا أشياء قليلة، ودائرة تفكيره ضيقة، والتداعي ضئيل لديه، مما يجعل أحلامه سهلة المنال بالتفسير. يرى الطفل الحلوى فيلح في طلبها، فإذا رفض والده أو أبت والدته مشتراها، رآها في الحلم كما هي لأنه لا يفهم الخير من الشر. إنه يظهر رغباته بلا خشية كما يكشف عن جسمه بلا حياء
والأمر عكس ذلك عند المراهق فما فوق؛ فصور الأحلام الرمزية تخفي في أغلب الأحيان شهوات مكبوتة ورغبات لم تتحقق في النهار فتتخذ سبيلها إلى حياتنا عن طريق عالم الأحلام
هذا ما فهمته العامة من طريقة (فرويد) في تفسير الأحلام ولكنه في الحقيقة لم يقف عند هذا الاكتشاف السهل لأنه يعرف أن الإنسان خاضع للعقل الواعي حتى في أوقات النوم عندما يستسلم لعالم الأحلام. ففي الأحلام توجد عواطف تحاول أن تظهر ولكنها لا تجرؤ على ذلك في حرية خوفاً من المراقبة فتتحول إلى رموز في شكل دقيق والتواء مقصود وتختلط بضروب من المحال كيلا يظهر معناها الحقيقي، والحلم كالشاعر كاذب صادق، لأنه يخفي الحادث النفسي وراء مظاهر رمزية. ومهمة العالم النفساني أن يحل هذه الرموز وأن يفرق بين الصحيح والكاذب منها وأن يبحث عن الحقيقة من وراء مظاهرها الكاذبة
يريد (فرويد) أن يكون البحث علمياً وأن يكون عمل الطبيب كعمل الناقد الأدبي في دراسة ديوان من الشعر. فكما يحاول الناقد الفصل بين خيال الشاعر وبين المعنى المقصود والبحث عن أسباب استعمال الاستعارات والتوريات والتشابيه والوصول إلى نفسية الشاعر الكامنة وراءه، كذلك يجب أن يفعل الطبيب النفساني لأن عليه أن يبحث في الحلم الخيالي عن دوافع المريض الشعورية. ولما كانت غاية علم التحليل النفسي معرفة الشخصية فإن على العالم أن يستخدم مواهب الإنسان الخيالية، وأن يدرس العناصر التي تألف منها الحلم،