كالطود بالرغم مما مر به من أحداث بل واضطهاد في بعض العصور. ولعمري أن المرء ليتساءل ماذا كان يصيب اللغة العربية وآدابها وما يتصل بهما من علوم ومعرفة لو أن الأزهر أصابه ما أصاب غيره من معاهد ولم يصمد للحوادث طيلة هذه الأجيال؟ لقد كان هذا الأزهر وما يزال - وأرجو أن يظل على ذلك أبد الدهر - دعاية العلوم والمعارف في العالم الإسلامي. وقد أراد الله بالأمم الإسلامية خيرا حين كلأ هذا الجامع بعنايته ورعايته وصانه من غوائل الدهر ومن الانهيار.
ولم يكن الأزهر بناء أو جدرانا لا حياة فيها. بل كان على الدوام فكرة نابضة وروحا متسامية وحياة فكرية ومبادئ حية. بدأ جامعا فأنقلب جامعة لها خصائصها وتقاليدها وسمعتها وطابعها؛ وقد ظلت هذه التقاليد والخصائص والطابع والسمة تلازمه على مر العصور. وكان من خير هذه التقاليد أن الطالب يظل يتلقى العلم حتى إذا آنس في نفسه القدرة على التصدر للعلم أذاع ذلك بين زملائه وشيوخه فتعقد في ديوان الأزهر حلقه من العلماء النابهين يجلس الطالب في صدرها ويناقش نقاشا حادا في المادة التي تدرسها وفي جميع المواد المتصلة بها، فإذا أثبت الطالب كفاءة ممتازة منح حق التدريس. وهذا التقليد يذكرنا بما هو متبع في الجامعات العريقة وفي مناقشة رسالات الدكتوراه فيها في عصرنا الحديث.
وإذا كان الأزهر قد صعد نيفا وأنف عام للأحداث وظل راسخا في أداء رسالته في دعم أركان الدين الإسلامي ونشر العلوم الإسلامية، واستطاع أن يحتفظ بمكانته المرموقة كدعامة قويا للإسلام ومنارة لنشر العلم والعرفان، فإن مثله يجب أن يحتذي في كافة الأمصار الإسلامية فليس في وسع سكان الباكستان أو غيرها من البلاد الإسلامية أن يفدوا بقضهم وقضيضهم ليتزودوا من منهل الأزهر الذي لا ينضب وينهلوا من مورده العذب، على أن الباكستان وغيرها من البلاد الإسلامية لا تستطيع أن تترسم الروح الأزهرية الفذة أن ننوه ببعض ما يجول في نفوس بعض العلماء من مخاوف بشأن اضمحلال هذه الروح بسبب تلك النظم الحديثة التي أدخلت في الأزهر مثل نظام الامتحانات وتحديد المقررات وكثرة المواد الدراسية التي لا تتصل بالدراسات الإسلامية - حتى أن بعض يعتقد أن مستوى التحصيل في الأزهر قد انخفض انخفاضا ملموسا بسبب انصراف الطلبة إلى