المجاهدين لا تدري اجمعها بديهة أم كان لهذا اليوم عدها. ولقد مات رحمة الله وهو ينشر هذه الكلمات تثبيتا للمجاهدين وتوهينا للباغين.
وكان طيب الله ثراه، نسيج وحده، في كتابته وخطابته لا يتقبل أحدا ولا يشبه أحد انم كان صورة نفسه، وترجمان فطرته، ووحي نبوغه وعبقريته.
وحسب الإنسان أن يكون صورة متميزة ونجزة مستقلة واكثر الناس كما قال أبو الطيب:
في الناس أمثلة تدور حياتها ... كمماتها ومماتها كحياتها
وكان محمد إسعاف، طاب مثواه، خلقا من الأدب والمودة والوفاء يحرص على أصدقائه ويبالغ في إكرامهم والاحتفاء بهم، وكان إلى ذلك أبياً متجبرا ثائرا أن سيم خسف، أو عرض أحد لكرامته، أو توهم أن أحدا يحاول الازدراء به. هنالك يتجلى العربي الأبي فيما ورث من أخلاق العرب، وما أشربته نفسه من تاريخ العرب وأدبهم.
وكان، رحمه الله، يحرص في بلده على أن يلقى كل أديب يمر به، ويرى فرضا عليه أن يحتفي به ويؤنسه ويدعوه إلى داره. وكم كانت داره ندوة الأدباء ومجمع العلماء، وقد قال فيها بعض أصدقائه:(ولهذا شدتها على الجبل وفي ملتقى السبل، علما على علم وراية للمروءة والكرم).
لقد عظمت فجعة إسعاف على كل من عرفه حق المعرفة، وتبين الفراغ الذي خلفه هذا العربي العبقري، وإن مصيبة العرب كلهم فيك لكبيرة، وإن خسارة اللغة والأدب بفقده لفادحة: ولكن الرجل ترك فؤاده ولسانه وقلمه في هذه الآثار الخافقة النابضة التي يقرا فيها كل عربي وكل متأدب بأدب العرب علم إسعاف، وأدب إسعاف وحماسة إسعاف وجهاده لقومه.
وبعد فحسب الرجل أن جعل مثله الأعلى محمدا صلى الله عليه وسلم، وجعل إعظامه وإجلاله ديدنه وهجيراه. ولقد رأيت في مكتبه من داره لوحا كتب فيه (محمد) وقد علقه على الجدار أمامه يرمقه وهو جالس إلى مكتبة. ولقد قال لي: حسبي هذا الاسم استوحى منه كل خير، واستمد منه كل سؤدد.
وقد حدثني انه كان في أزمة من أزمات حياته يناجي رسول الله قائلا:(يا محمد، خادمك وخادم دينك ولغتك تتركه لنفسه وتسلمه للأحداث).