ويكون التحليل النفسي ممكناً بالمناقشة والاستفادة من الفلتات ومن الأحلام ومن الأعراض عند المرضى. وقد سبق أن تكلمنا عن تفسير الأحلام التحليلي.
أما الفلتات أو الأفعال فإنها أفعال تصدر في الغالب عن غير إرادة الإنسان، كأن ينطق في سياق حديثه بكلمة لا يريدها، وقد ينتبه أو لا ينتبه إلى ما صدر منه، (فلتة لفظية). أو قد يكتب كلمة غير التي يريد كتابتها، أو قد ينسى كلمة كان يود أن يكتبها، (فلتة كتابية). وقد ينسى الإنسان شيئاً كان يذكره منذ لحظة قصيرة، فيبحث عن قلم وهو في يده، أو يريد أن يتذكر اسم شخص أو بلد كان يعرفهما تماماً، ولكنه لا يمكن له ذلك، (فلتة من فلتات الذاكرة، وهو ما نسميه بالنسيان).
وكذلك قد تتحدث إلى شخص وهو منتبه اليك، ولكنه لا يلبث أن يسرح ببصره في الفضاء، أو أن يتغير لونه، أو أن يلعب بأصابعه في أي شيء، ثم يسألك أو لا يسألك بعد ذلك عما كنت تتحدث به إليه لأنه (لم يأخذ باله). وهذا بالطبع معناه أنه حدث له ما صرف انتباهه إلى ناحية أخرى.
فلماذا لفظ الإنسان أو كتب ما لا يريد؟ ولماذا نسى ما كان يعرفه تماماً منذ لحظة قصيرة؟ السبب في ذلك هو في وجود رغبتين عند الإنسان، وفي أن إحداهما مكبوتة والرغبة المكبوتة قد تكون لا شعورية أو شعورية أو تمييزية كذلك، حيث لا يعرف عنها صاحبها شيئاً إلا بعد التحليل. أما إذا كانت شعورية أو تمييزية فان صاحبها ليس في احتياج إلى تحليل لمعرفتها. هذا فيما يتعلق بالرغبة المكبوتة. أما الرغبة الأخرى فإنها في الغالب رغبة تمييزية، ولكنها قد تكون شعورية أو لا شعورية كذلك؛ فصاحب الفعل المفقود إذن يجد نفسه أمام رغبتين، وهو في أثناء تعبيره عن الرغبة غير المكبوتة عنده تتحين الرغبة المكبوتة أي فرصة للظهور، وهي عند ما تسنح لها هذه الفرصة تجد سبيلها إلى الظهور بواسطة أي لفظ أو حركة تنم عليها. وهذا اللفظ أو الحركة هو ما تسميه الفلتة أو الفعل المفقود أو الفعل غير الإرادي أو
ومع أن الفعل المفقود قد أظهر الرغبة المكبوتة فانه لم يتمكن من تنفيذ هذه الرغبة. لأن الإنسان سرعان ما يستنكر صدور هذه الفلتة منه، ويتساءل كيف أخطأ في تعبيره. والواقع أن الرغبة المكبوتة وهي التي سببت هذه الفلتة قد اكتفت بهذا التحقق الرمزي أو التلميحي