بواسطة الفعل المفقود، لأن التحقق الفعلي تأباه عليها ظروف الحياة، فهو إذن غير ممكن لها. وهكذا تكتفي الرغبة المكبوتة بالأوهام بدلاً من الحقيقة الواقعة، ومثلها في ذلك مثل الأفكار الذاتية التي سبق أن تكلمنا عنها سواء بسواء. لأن الرغبة المكبوتة مهما كانت شعورية أو تمييزية فإنها في الأصل من اللاشعور، وهو الذي يكتفي في تنفيذ رغباته بالأوهام.
وأما الفرص التي تنتهزها الرغبة المكبوتة فهي كثيرة: فالتعب واهتياج الشعور والاجتهاد الفكري وكل ما من شأنه أن يقلل من انتباه الإنسان يساعد على إيجاد هذه الأفعال المفقودة.
والرغبتان اللتان نشأ عنهما الفعل المفقود قد تكونان متعارضتين، فيكون اللفظ إذن عكس ما كان يراد تماماً، وقد تكون إحدى الرغبتين معدلة للأخرى أو مكملة أو مؤكدة لها؛ وسنذكر فيما بعد بعض الأمثلة على كل نوع منها. ولنرجع الآن إلى ابتسامة القاتل التي سببت اكتشاف سره، ونرى هل هي الأخرى وليدة رغبتين عنده؟ وهل في هاتين الرغبتين ما يدل على التعارض؟ والى أي حد يمكن استخدام الفلتات في الكشف عن خفايا نفسية المجرم؟ فلقد جلس هذا إلى زوجه وعنده رغبتان: الأولى حب الظهور بالبطولة، وإظهار بأسه وقوته. والثانية حب كتمانه لما فعل خوفاً من تسرب الأخبار والوقوع تحت طائلة العقاب، فهو إذن بين رغبتين تتنازعانه، وبينما تشتد رغبة النجاة في كبت رغبة الزهو والاعتداد بالنفس إذا بهذه الرغبة الأخيرة تنتهز الفرصة للظهور في وقت ضعف الرغبة الأولى تحت تأثير الهوى. وهكذا يتحقق الزهو والفخر، ولكن هذا التحقق إن هو إلا تحقق رمزي وذلك بالابتسام، وما الابتسام إلا رمز الانتصار، لأن رغبة النجاة مهما ضعفت فإنها لا تسمح بالاعتراف والفخر الصريح. وهكذا كان، فقد ابتسم الرجل في غير موضع الابتسام، ولكنه مع ذلك يأبى الاعتراف الصريح أولاً. وهنا نرى الزوجة تقوم بدور المحلل النفسي فتستخلص منه ما كان يأبى الاعتراف به.
وإذا كنا فيما سبق قد قلنا إن الشعراء والأدباء والفنانين يستخدمون الخيال، فان ذلك من دواعي الفخر لهم، لأن التخيل ممكن وموجود عند كل إنسان، وإنما امتاز هؤلاء بإمكان استخدام خيالهم وتحقيق أحلامهم على صورة رمزية جملية تأخذ بالألباب. وفوق ذلك فان لهم من حسن الذوق ودقة الحس ما يسمح لهم بملاحظة كل ما يمر أمامهم من دقائق الحياة،