بعضها بشرى امرأته به، تنويعاً في الأسلوب، وتصريفاً في القصة، لمقامات تقتضي ذلك التنويع، وتستدعي ذلك التصريف.
ولا شك أن صاحب هذه الرسالة قد سار فيها على هذا التخبط في الحكم، لا يفرق بين القصص التي نص القرآن على وقوعها، وبين الأمثال التي يجوز فيها الوقوع وعدمه، وهي أمثال لا أساطير وقد ورد كثير منها في القرآن أيضاً، ولكن صاحب هذه الرسالة لم يرزق قوة التمييز بينها، فخبط فيها خبط عشواء، وسقط سقوط من يتناول ما هو فوق طاقته.
لقد ذكر الله تعالى قصة مريم في سورة آل عمران، ثم قال فيما ذكره منها (ذلك من أبناء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ يلقون أقلامهم أيهم يكفل مريم وما كنت لديهم إذ يختصمون) الآية - ٤٤ - من سورة آل عمران، وهذا نص قاطع في وقوع هذه القصة، وذكر قصة نوح في سورة هود، ثم ختمها بقوله (تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر أن العاقبة للمتقين) فجعل تلك الأنباء وهي من الغيب من دلائل نبوته، ولا يصح الاستدلال بها على نبوته إلا إذا كانت صحية، وذكر قصة يوسف في سورة يوسف، ثم ختمها بقوله (ذلك من أبناء الغيب نوحيه إليك وما كنت لديهم إذ أجمعوا أمرهم وهم يمكرون) وهذا نص قاطع في وقوع هذه القصة، وهكذا غير هذه القصص من قصص الأنبياء ونحوها.
وهناك أمثال يضربها الله تعالى للناس، كقوله تعالى (ضرب الله عبداً مملوكاً لا يقدر على شيء ومن رزقناه منا رزقاً حسناً فهو ينفق منه سراً وجهراً هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون) للآية - ٧٥ - من سورة النحل، فهذا مثل لا يلزم أن يكون واقعاً، وكذلك ما أشبهه من أمثال القرآن.
وقد أتى صاحب هذه الرسالة فيما فاته من الفرق بين هذين الأسلوبين، فأساء إلى نفسه، وأساء إلى علمه، وأساء إلى جامعته، وما كان له أن يطفر إلى مثل هذا الموضوع في أول نشأته.