من مجلة الرسالة في الغراء، وهو يدل على مستوى صاحب هذه الرسالة في العلم، وعلى أنه جرى في رسالته على هذا المنوال، فقذف بنفسه في بحر لا يحسن السباحة فيه، ولم يخض فيه إلا فحول العلماء، وأكابر الحكماء، من الطبري إلى الزمخشري إلى الرازي، إلى أمثالهم في علمهم وحكمتهم.
فقد ذكر الأستاذ أحمد أمين في تقريره أن صاحب هذه الرسالة يرى أن القصة في القرآن لا تلتزم الصدق التاريخي، وإنما تتجه كما يتجه الأديب في تصوير الحادثة تصويراً فنياً، بدليل التناقض في رواية الخبر الواحد، مثل أن البشرى كانت لإبراهيم أو لامرأته.
فدعوى هذا التناقض تدل على أن صاحب هذه الرسالة لا يعرف تعريف التناقض، وعلى أنه سار في رسالته بهذا العلم الذي لا يزال في طور الطفولة، فضل الصواب، وخبط خبط عشواء، والقرآن أجل من أن يتناول بمثل هذا العلم، وأخطر من أن يحكم في مسائله من لا يزال يجهل تعريف التناقض.
لقد قال الله تعالى في البشرى بهذا الغلام (وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها ومن وراء إسحاق يعقوب) الآية - ٧١ من سورة هود، وفي هذه الآية كانت البشرى لسارة امرأة إبراهيم عليه السلام.
ثم قال في هذه البشرى (قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم) الآية - ٥٣ - من سورة الحجر، وقال (فبشرناه بغلام حليم) الآية - ١٠١ - من سورة الصافات، فكانت البشرى في الآيتين لإبراهيم عليه السلام.
فهل تبشير سارة مرة بهذا الغلام وتبشير إبراهيم مرة به من التناقض الذي يصح أن تضرب به قصة إبراهيم مثلاً للقصة التي لا يلتزم فيها الصدق التاريخي؟ للهم لا، لأن التناقض اختلاف قضيتين في الإيجاب والسلب اختلافاً يلزم لذاته من صدق إحدى القضيتين كذب الأخرى، فلا بد فيه من الاختلاف في الإيجاب والسلب، ولا بد فيه من الاتحاد في الموضوع والمحمول وقيودهما، وليس في هذه القصة اختلاف في قضية البشرى من جهة الإيجاب والسلب، فلا تكون من التناقض الذي يلزم فيه صدق إحدى القضيتين وكذب الأخرى، وإنما كان أن كلا من إبراهيم وامرأته بشر بهذا الغلام، وقد تكررت هذه القصة في هذه السور، فذكرت في بعضها بشرى إبراهيم به، وذكرت في