ولعل أسباباً أخرى ترفد ذلك السبب الوجيه الراجح، ونعني بها الأسباب التي توجب العطف على كل شعب صغير مجاهد صبور يحمل من الأعباء فوق ما يطيق، ولكنه لا يرزح بتلك الأعباء ولا يعالجها بالحول والحيلة حتى يروضها ويمشي بها إلى غايته القصوى وهي أشرف الغايات، لأنها غاية الحرية والثقافة والجمال
شعب مازاريك مثل جميل من أمثلة الجهاد الحسن في سبيل الحرية والقوة والجمال، سلبته الدولة النمساوية سلطانه فلم يستسلم ولم يركن إلى الخنوع والمهانة، وصنع ما هو أنبل وأكرم من ذلك لأنه جاهد في رفع الضيم فلم يقصر جهاده على المؤامرات والمشاغبات وحوادث الغيلة والانتقام، بل عمد إلى التعليم فأشاعه بين أبنائه حتى محا الأمية محوا قبل أن تفلح الشعوب القوية في محوها من بلادها. ثم لم يكفه ذلك حتى أدرك أن الكتابة والقراءة لا تكفلان وحدهما الغلبة والحرية للشعوب الضعيفة، فأضاف إلى سعيه في نشر التعليم سعياً آخر في نشر الفتوة بمعناها الأصيل، ومعناها الأصيل في عرفنا أن يكون الإنسان شهم النفس شهم الجسم شهم الذوق سريعاً إلى ما يجمل ويحسن بأدب الإنسان وذوقه واستجابته لدواعي الحياة
تلك هي حركة (الصقر) التي شاعت في أوربا باسم (الصكل) وقلنا في عنوان هذا المقال إننا نحن أولى بها من غيرنا، لأننا نرجح أن أصل الكلمة عربي أخذته أمم السلاف من جيرتها الأسيوية إذ تعلموا الصيد والفروسية قديما من سادات العرب يوم غلبة سلطانهم على أواسط آسيا وتخوم بلاد المغول، فأصبح اسم الصقر مصحفا عندهم باسم (الصكل) وهو عنوان الحركة الرياضية الكبرى في أمتي التشك والسلواق
رأس هذه الحركة المباركة هو (تيرش) العظيم أوحاها إليه أنه زار بلاد الإغريق في أواسط القرن الماضي فراعته المثل العليا التي أقامها الإغريق الغابرون لجمال الفتوة وصحة التكوين، وعلم أن نهضة الكتابة والقراءة لا تغني أمته عن نهضة النفس من طريق رياضة البدن وثقافة الذوق ونشاط الشعور، فأجمع النية الصادقة على إنهاض قومه في هذا الطريق، وأعد عدته لتنظيم الفرق الصغيرة فالفرق الكبيرة لتدريب الرجال والنساء من سن الطفولة إلى سن السبعين وما بعد السبعين، وما يعني بذلك التدريب إلا أن يجعل الجسم