وتسوقهم إلى مخالفة القانون مآربهم. ومنهم من يحارب الشرائع جنوحا إلى الفوضى، وقصوراً عن إدراك النظام وعجزاً عن تصور ما وراء الحس، وعن التعالي إلى المعاني السامية، والنزعات العالية.
ومن الخارجين عن سنن الجماعات وآدابها من يريد السكون إلى أفعاله، والاستراحة إلى أوهامه إرضاء وجدانه فيخادع نفسه، ويكذب عقله وقلبه ويدعي أن لمأربه مقاصد إنسانية وأن لخروجه قانوناً ولإجرامه شريعة فيضع لنفسه ولمن يريد إضلالهم شريعة مضللة، وقانونا خادعا ويجادل بالباطل. ثم تأبى سنة الله وعقل الإنسان ووجدانه أن تسير الجماعة على هذه الجرائم التي تسمى شرعاً، والفوضى التي تدعى نظاماً، والتنافر الذي يدعى أنه وئام وسلام فلا تلبث هذه الدعوى أن يكذبها العمل، وهذه السنة التي تبطلها التجربة، وهذا الاعوجاج أن يقومه الوجدان كذلك يضرب الله الحق والباطل فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض.
وقل أن تقوم شريعة صالحة إلا أحدث الشيطان إزائها بدعة يأوي إليها الخارجون على نظام الشريعة النافرون من تكاليفها المشفقون من نورها، وقل أن تستقيم للبشر عقيدة دون أن يجادل فيها مضلل، وأن ائتلفت جماعة إلا وجدت خوارج، ولا عمرت مدينة أو قرية إلا كان فيها لصوص وقتلة، وسواء أكان مرجع هذا إلى نقص في معرفة الناس، أو اعوجاج في تفكيرهم، أو خلل في وجدانهم، كان مرجعه فسدا في نظام الجماعة أو عيبا في تأليفها. هذا لخروج شر على كل حال، وأعراض مرض في النفس الفرد والجماعة.
وإذا تتبعت الشرائع المضللة، والمذاهب الفاسدة التي ولدها الباطل وأماتها الحق ونصرها الشر وهزمها الخير، وجدت من علاماتها أن تحط عن الإنسان عبء التكاليف وتقرب إليه مآربه وتفتنه في شهواته وتنزل به إلى الأمور الحسية وتتوسل إليه بمطالب الجسد، هذه المطالب أقرب إلى العامة وأشباه العامة من ضعاف النفوس أسارى الجهالة.
حدثنا التاريخ أن رجلاً من إيران أسمه مزدك دعا في القرن الخامس الميلادي إلى إشاعة الأموال والنساء بين الناس فاستهوى بدعوته أوشاباً من العامة سارعوا إلى دور الناس ينهبون الأموال ويغتصبون النساء واستكان لهذه الدعوة قباذ ملك الفرس وغلب على أمره حتى جاء ابنه أنو شروان فبطش بالمفسدين، ورد الأموال إلى نصابها، وأعاد إلى القانون