وهذه القبة الصغيرة مصلى رأيت النساء يصلين فيه يوم الجمعة. وعلى صحن الصخرة وهو الدكة العالية الواسعة التي تتوسط ساحة الحرم الفسيحة قبة أخرى صغيرة جميلة تحتها قبة صغيرة تسمى قبة المعراج. وهناك حجرات أخرى متفرقة في أطراف الصحن
هبطنا إلى الساحة المحيطة بصحن القبة على أحد السلالم المحيطة به. ولهذه الدكة تسع سلالم ذوات درج طويل على كل منها عمد تنتظمه عقود فوقه، ومشينا ذات اليمين نساير السور الغربي من أسوار الحرم وقد توالت بجانبه أبنية تنميها عصور مختلفة، وتخلد عليها ذكرى كثير من سلاطين المسلمين. وحول أسوار الحرم من الداخل والخارج أبنية كثيرة كانت مدارس عمرت بالأستاذين والطلاب زمناً طويلاً، ودرت على المعلمين والمتعلمين بها خيرات كثيرة. وما أحراها اليوم أن تكون مأوى لعلماء من المسلمين يؤمونها من أقطار الأرض فيتداولون الإقامة بها والتدريس بالحرم حيناً! وما أجدر هذا التاريخ بأن يحفظ، وما أخلق هذه الذكريات بأن توعى! وكم اتصلت بهذه المدارس من تواريخ العلماء والأدباء
رأينا فيما رأينا هناك المدرسة الأشرفية التي شادها السلطان الصالح المعمر الذي تشهد له اليوم آثاره في بيت المقدس ومكة والمدينة ومواضع كثيرة في القاهرة - ذلكم السلطان أبو النصر قايتباي رحمه الله. وقد عجبت إذ قرأت فيما قرأت من ألقاب السلطان المنقوشة على البناء لقب (الإمام الأعظم) وما عرفته قبل اليوم لأحد من السلاطين
وقد صعدنا منارة المدرسة على قدمها ونيل الإعصار منها فأشرفنا على مرأى جليل من الجبال والأبنية القديمة والحديثة كأنما أشرفنا على عصور من التاريخ. وعلى مقربة من المدرسة سبيل جميل للأشراف برسباي من سلاطين المماليك. وقد جدده السلطان قايتباي سنة ثمان وسبعين وثمانمائة، ثم السلطان عبد الحميد العثماني وقد سمي في الكتابة التي على السبيل بالخليفة الأعظم. وفي ساحة الحرم كثير من السبل والآبار الجميلة
وانتهى بنا السير مع هذه الآثار والذكر إلى التكية البخارية وهي التي اتخذت متحفاً إسلامياً، بعد أن ضم إليها قسم من مسجد النساء الذي يأتي ذكره. صفت في مدخل المتحف، وبداخل التكية، رءوس من العمد القديم التي كانت بالمسجد الأقصى ونقوش وحلى وكتابة من آثار العصور الماضية. وفي البهو الواسع الذي اقتطع من المسجد آثار قليلة جليلة