ثم أقول إن العام الماضي كان من الأعوام التي اختبرت فيها أخلاقي. ومعاذ الأدب أن أدَّعي التفرد بكرم الأخلاق، وإنما هي حيلة أتوسل بها لخلق فرصة أنوح فيها على أخي وصديقي محمد الهراوي. وهل ذرف الزيات من الدموع على أبنه رجاء، أو ذرف هيكل من الدموع على أبنه ممدوح، بعض ما سكبت من دم القلب على صديقي محمد الهراوي؟
كان من عادتي أن ارتاد ملاهي القاهرة في المواسم والأعياد لأفهم شيئاً من أسرار المدينة التي تصنع اليوم بأذواق الشرق ما تصنع. فمن يصدق أن شارع فؤاد صار في عيني صورة من صور الإقفار والإمحال، لأنه خلا من وجه الصديق الغالي، وجه محمد الهراوي، وجه الأخ الذي عرفت بفقده كيف يكون الجزع من فقد الرفاق
وهل تسمح الدنيا مرة ثانية بصديق مثل ذلك الصديق؟
وأين الصديق الذي تصحبه عشرين سنة فلا ترى منه غير كرم العهد وصدق الوفاء؟
أين الصديق الذي يرى من السعادة أن يكون رأيه من رأيك وهواه من هواك؟
إن دموعي على محمد الهراوي دلتني على جوانب من أخلاقي، وشرفتني أمام نفسي، وفرضت عليَّ أن أومن بأني رجل له قلب. فلا كان الصبر عنك يا أكرم ذاهب وأعز فقيد
وكان من مغانم السنة الماضية أن تصير اللغة العربية لغة الدرس في كلية الطب وكلية العلوم، وهي دعوة عانيت فيها من الشقاء ما عانيت. فمن قال إنه دعا إلى هذه الفكرة مرة أو مرتين أو مرات فأنا جعلتها حلماً أهتف به في يقظتي ومنامي أكثر من خمس عشرة سنة. وبسب الإلحاح في نشر هذه الدعوة رآني بعض أقطاب الجامعة المصرية من الثقلاء، وأوصدوا في وجهي كثيراً من الأبواب. فإن قال أعضاء المؤتمر الطبي العربي بعد أسبوعين إنهم قرروا تدريس الطب باللغة العربية في كلية الطب بالقاهرة فليذكروا مشكورين أنهم سفَّهوني علانية يوم التقينا في بغداد سنة ١٩٣٨
وفي العام الماضي قدمت لكلية الحقوق رسائل لامتحان الدكتوراه باللغة العربية، وقال قائل: إن في ذلك مجاراة للنزعة القومية، فمن واجبي نحو نفسي وأنا رجل مظلوم في وطني أن أقول إن ذلك لم يقع إلا طلباً للسلامة من القلم الذي شن الغارة على من يقبلون رسالة باللغة الفرنسية عن الديِّة في الشريعة الإسلامية ولتلك المعركة ذيول فصلتها في كتاب (البدائع) وفي رسالة (اللغة والدين والتقاليد) وفي كتاب (الأسمار والأحاديث) فأن غضب وزراء