أن أقول، فحملت كرسياً إلى حيث هما، ووضعته وقعدت عليه أمامهما، ثم حييتهما أحسن تحية وأرقها - تحية تلين الصخر، لا بل تذيبه - ولكن قريبي، وقاك الله، أصلب من الصخر والحديد، فما كاد يراني أصافحها حتى قال لها وهو يجذبها من ذراعها:(تفضلي فقد تأخرنا جدا)
فابتسمت - وهل كان يسعها إلا ذلك وهي ترى هذا منه في كل لقاء؟ - فتشجعت وقلت:(يا أخي حرام عليك!! ما هذا العنف - هذا ذراع غض بض يا سيدي، وليس بعصا شرطي. . .)
فابتسمت مرة أخرى، فقلت في سري هذه علامة الرضى، وإنها والله لراغبة في البقاء، وتذكرت قول زميلنا القديم:(وفاز بالطيبات الفاتك اللهج) فقلت لهما: (العجلة من الشيطان يا مولانا. . ومازلنا في أول الليل، وما يدريك ويدرني أنها ليست مشتاقة أن تركب معي واحداً من هذه القطر التي تشبه الترام وتجري بالكهرباء وتتدافع وتتصادم فتتعالى الصيحات والصرخات وتجلجل الضحكات، وتنشرح الصدور. . . قومي يا ستي معي أركبك واحداً منها)
فصاح بي وهو يدفع ذراعه أمامها ليمنعها أن تقوم:(معك؟ تقول معك؟. معك أنت؟. يا خبر اسود!. أنت مجنون؟)
فلم تفزعني هذه الثورة، لأني أعرف سببها وباعثها، وقلت له وأنا أبتسم:(صحتك. . صحتك. . لا تهج هكذا فإني أخاف على قلبك. . ألم ينصحك الطبيب بالابتعاد عن كل ما يهيج أعصابك؟. أقعد. . أقعد ساكناً واشرب ماء بارداً حتى نعود إليك. . لن يطول غيابنا عنك. . قومي يا سيدتي. . لا تقلقي عليه. . إنه بخير ما اجتنب ما يورثه اضطراب الأعصاب)
فنهض هو بدلاً منها وقال بلهجة المغيظ المحنق:(أعصاب؟. قلب؟. طبيب؟. عن أي شيء تتكلم؟. كيف تسمح لنفسك أن تقول إني مريض بقلبي؟.)
فضحكت وقلت: (لا مؤاخذة!. لقد نسيت أن عقلك لا قلبك هو المريض. . على كل حال. . عقلك. . قلبك. . سيان. . والخطأ مردود. . والآن وقد انتهى الخلاف وحسمنا النزاع فيحسن أن ندعك وحدك قليلاً حتى تثوب إليك نفسك الوديعة الرقيقة الكريمة الجمة المروءة