وهشام بن عمرو الفوطي كان يقول بأن الأشياء قبل كونها معدومة ليست أشياء، وهي بعد أن تعدم عن وجود تسمى أشياء ولهذا المعنى كان يمنع القول بأن الله تعالى قد كان لم يزل عالماً بالأشياء قبل كونها فإنها لا تسمى أشياء
فأي هذه الفرق - على قلة ما اخترت منها - يريد أن تكون الفرقة من القدرية؟ الجهمية أو الهشامية أو الفوطية، وغيرها كثير؟ ثم ألا يكفي كل هذا لأن أجعل هذا القول مقابلاً لقول سائر المسلمين، أو على الأقل لأن أدعي أن هذا كان تفكيراً لرجال الدين والمتكلمين؟ أم أن تكفير الإمام مالك والإمام الشافعي والإمام أحمد وغيرهم من الأمة لهذه الفرق يخرج بهذا التكفير عن أن يكون (إسلامياً): إن لم يكن بالمفكرين فيه فلا أقل من أن يكون بالموضوع الذي دار حوله هذا التفكير؟ صحيح أن النزاع في مسألة سبق علم الله بما يحدث أو ائتنافه له علماً حال وقوعه قد اندمج في (النزاع في أنه كما أن للعالم منا علماً هو عرض قائم به زائد عليه حادث، فهل لصانع العالم علم هو صفة أزلية قائمة به زائدة عليه، وكذا جميع الصفات) وتشعب القول بين الفرق في الأمر، وأصبح سبق علم الله أو ائتنافه حدا من الحدود هذه القضية. واختلف القول فيه إلى ما قد فرغت من إيراد بعضه، واتضح منه أن المسلمين لم تجمع كلمتهم على ما أورد الأديب الفاضل. ولنفرض جدلاً بأن طائفة واحدة من القدرية قالت بأن الله لم يتقدم علمه بالأشياء، أليس من العدل أن أذكر ذلك حتى أبين أقصى مدًى بلغته الفكرة، وأوسع عرض حازته هذه الدعوى؟
أما اعتراضه على اشتراك الجهمية والمعتزلة في نفس الصفات عن الله ففيه نظر كذلك؛ فقد طلب الأديب الفاضل أن أفصل قول المعتزلة حتى لا أوهم إنكارهم الصفات إنكاراً غير حميد، ولم يكن المقام مستلزماً أن افصل قول المعتزلة أو غيرهم فإني كنت أود أن أبين اشتراكهم والجهمية في اختصار أتحرز به تهويش ذهن القارئ حتى أستطيع بعد ذلك أن أطلعه على رأى أبي العلاء
على أن الجهمية وافقت المعتزلة في نفس الصفات الأزلية. فنفى جهم أن يكون لله صفات غير ذاته وزاد عليهم (على المعتزلة) بأشياء منها قوله لا يجوز أن يوصف الباري تعالى بصفة يوصف بها خلقه لأن ذلك يقتضي تشبيهاً. فنفى كونه حياً عالماً، وأثبت كونه قادراً فاعلاً خالقاً. . .