إن أراد به العدل المطلق (وهو ما يظهر أنه مراده بدليل قوله أن الخوف من عدمه كان يملأ قلب النبي نفسه) فإن معارضته مدفوعة حينئذ بأنها مصادرة على المطلوب على الوجه الذي بينته فيما تقدم، وفيها - عدا ذلك - حجة عليه لا له، وهي أن عدم ورود أمر من النبي للناس بمفارقة ما زاد على الواحدة عند نزول الآية دليل على أن العدل المشروط فيها لجواز التعدد ليس هو العدل المطلق وإلا لأمر بمفارقة ما زاد على الواحدة للقطع بخوف الجميع عدم هذا العدل.
١٢ - الاعتراض الرابع
إن الأمة قاطبة قد أجمعت قولاً وعملاً منذ عصر النبوة حتى اليوم على حل تعدد الزوجات في الإسلام؛ فهل كانوا جميعاً بما فيهم الصحابة والخلفاء الراشدون رضوان الله عليهم غير عالمين ولا فاهمين لحقيقة ما ورد به الشرع من تحريم ذلك؟ أم كانوا محلين لما حرم الله؟
وقد حاول معالي الباشا دفع هذا الاعتراض بأن الإجماع الذي يسري على المسلم ديانة له صور ثلاث: الأولى أن يقوم في أساسه على نصوص قرآنية مسلم بصحة قيامه عليها مباشرة أو بطريق القياس الصحيح. والثانية أن يقوم على سنة نبوية يطمئن الضمير على صحتها وإلى صحة قيامه عليها مباشرة أو بالقياس الصحيح كذلك. والثالثة أن يكون إقراراً من الناس كافة لعادة من المباحات لم يأمر بها كتاب ولا سنة ولم يمنع منها كتاب ولا سنة مباشرة ولا بالقياس. هذه الصورة الثالثة هي التي يصح أن يطلق عليها اصطلاح (الإجماع) أما الصورتان الأولى والثانية فإن الدليل الشرعي فيهما ليس هو إجماع الناس إنما هو نص الكتاب لو السنة أو القياس الصحيح على نص أيهما. والمسألة التي نحن بصددها غير مقول أن فيها إجماعاً من قبيل الاصطلاح المذكور بالصورة الثالثة؛ بل يقولون أن الإجماع فيها قائم على العمل مباشرة بقوله تعالى:(فانحكوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثُلاث ورُباع) وقوله من بعد (فلا تميلوا كلَّ الميل فتذروها كالمعلقة) ولا شك أن الحكم ما دام مرده إلى النص فإن لكل مسلم وإن انصاع قضاء للإجماع المرتب عليه؛ أن يعترض ويبين ما يعتقده في الأساس من خطأ التأويل.
وردي على هذا الدفع أن المتفق عليه بين القائلين بحجية الإجماع - وهم جمهور مجتهدي الأمة المعتد بآرائهم في ذلك لتأيدها بما جرى عليه العمل فعلاً في عهد الصحابة من