نرمقهما ونضحك، فلما فرغ من مضغه قال له جحظة أتلعب معي النرد؟ قال نعم فوضعاه بينهما ولعبا فانهزم جحظة هزيمة لم تعد له، فأخرج رأسه من الخيمة ورفع يده إلى السماء قائلاً: لعمري إني لأستحق هذا لأني أشبع من أجاعه الله.
وهنا وقد أوقعه شرهه في مضحكات غريبة فقد كان يتحين الخلوة في رمضان ليشبع جوفه، وأحياناً يذهب إلى المرحاض وفي كمه كسرات من الخبز يلوكها في غفلة من العيون، قال الحسن البغدادي: كان جحظة عند أبي يوماً في شهر رمضان فأجلسته فلما انتصف النهار سرق رغيفاً ودخل المستراح، واتفق أن دخل أبي فرآه فاستعظم ذلك وقال ما هذا يا أبا الحسن؟ فقال أفت لبنات وردان ما تأكل. وبنت وردان دوبية كالخنفساء توجد كثيراً بالمستراح.
وغير كثير على جحظة أن يفعل ذلك فقد كان من المستهترين بالدين إلى أبعد حد وأقصاه، فهو يشرب الخمر، ويأتي المحرمات ويتعرض للنساء مع أن الله قد منحه من الدمامة قسطاً لا يحتمل معه تماجن وخلاعة، وقد سماه ابن المعتز بجحظة لنتوء قبيح في عينه قد شوه سحنته حتى ضرب بها المثل.
وكان فوق ذلك قذر الثياب، رث الأردان، مع إنه كان يغشى المحافل العامة ويتصدر منتديات السمر، وكذلك كان من معارفه البحتري وأبو الفرج، ولست أفهم لذلك علة غير أن هؤلاء وأمثالهم ربما أرادوا أن يحاربوا ما شاع ببغداد من الترف الفاحش في الزي والملبس، فدفعتهم المغالاة إلى ما صاروا عليه من قذارة وحطة، وإلا فلو كان جحظة قد اضطر إلى ذلك لفقره المدقع فلماذا أصر الوليد وأبو الفرج على ما كانا عليه من رثاثة وامتهان.