الفتوح والسيادة؟ ونحن نرى المجد في الخضوع للمستعمر، وفي الذل وخفض الجناح، ونحن نرى الفخر في فتح أبوابنا له يلجها من يشاء متى شاء. وكيف يلتقي فخرنا وذلك الفخر؟ وكيف يصافح مجدنا ذلك المجد؟
لن نعرض لهؤلاء النافرين من مجد العرب شيئاً تسطره أقلامنا وأهواؤنا، ولكنا عارضون لهم صفحات جليلة، كتبها رجل لا يتعصب لنا ولا يريد باطلاً ولا جزاء ولا شكورا. وإنما ينشد حقيقة ما عرف التاريخ شهيداً كمثلها بين الحقائق التي نقلها. فأراد هذا الرجل إنصاف هذه الحقيقة، وأراد إنصاف العرب بما كتب
قلت: كنت أريد أن يكتب تاريخنا بعاطفة وحرارة لأني أعتقد أن التاريخ في الأمم المتيقظة هو قلب قبل أن يكون عقلاً، لأن هذه الأمم - وهي في بدء يقظتها - لأحوج إلى قيادة العاطفة منها إلى قيادة العقل. وإذا عدت إلى استقراء تاريخ كل أمة ألفيت أن العاطفة هي القائدة الهادية، حتى إذا ما مشت هذه الأمة إلى هدفها واستقام سيرها، أخذت العاطفة تقر رويداً رويداً ويتسيطر على جموحها العقل. وهاهي ذي الأمم الغربية التي نقتفي أثرها ونمجد خيرها على رغم ما بلغت من نضج العقل ورسوخ القدم لا نقرأ تاريخها إلا موسوماً بميسم وطنيتها وعاطفتها لأن التاريخ المجرد يأتي هيكلاً مجرداً من الروح، وإذا لم ترد الأمة أن تطبعه بطابع حياتها وحاجتها، فما معنى حاجتها إلى هذا التاريخ إذن؟ على أننا لا نريد أن يأتي تاريخنا مشوهاً متحولاً مخالفاً للحقيقة، ولا نريد أن نسجله تسجيلاً كاذباً مختلقاً. ولو قدرنا على ذلك لما فعلنا، كما فعل ذلك العالم البلجيكي الذي أخذ يلوم أحد قادة الألمان على ما يرتكبون من فظائع في (بلجيكا) خلال الحرب العظمى وهدده بالتاريخ الذي سيحصي عليهم كل صغيرة وكبيرة، فما أجابه ذلك القائد إلا بضحكة استهزاء متمتماً:(هل تهددنا بالتاريخ، وما عسى يضع التاريخ؟ ونحن الأُلى نسجله غداً) يريد أن الظافر هو الذي يتولى كتابة التاريخ وتشويه الحقائق. إننا لا نسجل الآن شيئاً، وإنما رجال غربيون يسجلون. منهم صاحب حضارة العرب يسجل تاريخ حضارتنا كما تفهمه وتلمسه. وما أجدر هذه الفئة المنكرة الجاحدة لتاريخها وقوميتها بقراءة هذه الصفحات والنظر إلى ما راحوا يتنكرون منه ويوارون وجوههم خجلاً! وما كان أحق هذه الفئة بالتقديس لو أن لها من القوة والعبقرية والثقافة جزءاً مما لأجدادهم! ولكنهم قوم عميت منهم الأبصار والبصائر