للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وقال الشيخ في (الفصول والغايات):

(إن شاء الملك قرَّب النازح وطواه حتى يطوف الرجل في الليلة الدانية بياض الشفق من حمرة الفجر، طوفه بالكعبة حول قاف ثم يؤوب إلى فراشه والليلة ما همت بالأسحار، ويسلم بمكة فيسمعه أخوه بالشام، ويأخذ الجمرة من تِهامه فيوقد بها ناره في يبرين وقاصية الرمال) فخفَقْنا قوله، وطار في الجو أو في السُّمَّهى مثل الطيور الطائرون، وسمعنا في دمشق سرار القوم بله الطنطة في برلين وفي لندن وفي باريس وواشنطن، وبله العَطْعطه في ميادين القتال. وأورى (مركوني) ما أورى وهو في سفينته في بحر الروم فأضاءت (سدني) في أقصى الأرض (ويخلق ما لا تعلمون)،

لما قطعنا ما قطعنا، وبلغنا ما بلغنا، ومشينا اليّقدُميَّه، وحمدنا وشكرنا و (الحمد لله رب العالمين) طلعت علينا أجواق تذم الوجود، وتهجو الحياة، وتُطرى العدم، وتلعن الدنيا، وتكنبها بأم دَفْر وأم دَرَن، وتصفها بأنها دار قُلْعة، منزل قُلَعة، ونسمي خيراتِها حُطاما. وجاء فوج أنكر كونها، ولم يجد لها مثلاً؛ (قيل لبعضهم: كيف ترى الدنيا؟ قال: وما الدنيا؟ لا أعرف لها وجوداً) (وقيل لآخر: ما مثل الدنيا؟ قال: هي أقل من أن يكون لها مثل) وتمادى محمد بن واسع في استحقارها بل جاز المدى (قيل له: فلان زاهد، قال: وما قدر الدنيا حتى يحمد من يزهد فيها؟) وأقبل الحجاج بن يوسف متقرئاً متحنثاً فقال في إحدى الخطب: (والله ما أحب أن ما مضى من الدنيا بمعامتي هذه؛ ولمَا بقي منها أشبه بما مضى من الماء بالماء) وتالله لولا أنه الكُهاكه - وكان الحجاج قصيراً أصفر كهاكها - أيدي إلى العربية تلك اليد، وتقرب إلى (الكتاب) ذاك التقرب الكريم المشتهر، وولع بالقرآن ولعاً كبيراً حتى قال عمر بن عبد العزيز: (ما حسدت الحجاج على شيء حسدي إياه على حبه القرآن وإعطائه أهله) لولا كل ذلك لسخطنا وأطلنا القول فيه وبدا (الوليد) متحذلفاً متفلسفاً في هذه المقطوعة التي أخرجته من بغداد:

أخَّي، متى خاصمت نفسك فاحتشد ... لها، ومتى حدثتْ نفسك فاصدق

أرى علل الأشياء شتى ولا أرى التجمع (م) ... إلا علة للتفرق

أرى الدهر غولاً لنفوس وإنما ... يقي الله في بعض المواطن من بقي

فلا تتبعْ الماضي سؤالك لم مضي؟ ... وعرج على الباقي وسائلهِ لِمْ بقى؟

<<  <  ج:
ص:  >  >>