للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إلى مأوى تقيم فيه وثغرة تنفذ منها، فلا ينزل ذلك بفلسفتهم إلى المادية، لأن قولهم بوجود الشخصية الأخرى التي هي جوهر الأسرار الإلهية يصعد بهذه الفلسفة إلى أسمى أوج الروحانية. على أني لا أدري كيف يجرؤ هذا البعض من العلماء على أن يرموا فلسفة المصريين بالمادية الساذجة من أجل قولهم بافتقار الروح إلى الأكل والشرب والمأوى ثم هم يسوغون لأنفسهم أن يشيدوا بفلسفة (تاليس) و (أنا كسيماندر) و (أنا كسيمين) و (ديوجين) وهم لم تخطر لهم الروح ببال؛ أو بفلسفة (ديموقريت) و (إيبيقور) اللذين - وإن قالا بالثنائية - لا يميزان الروح عن المادة إلا بنفس الميزة التي ميز بها المصريون من قبل (الدوبل) عن الجسم، وهي كما نص (ديموقريت) و (إيبيقور): (إن النفس من ذرات أدق وأكثر شفافية من ذرات الجسم، وهذا هو كل ما بينهما من فرق) أضف إلى هذا أن (أفلاطون) نفسه - وهو ثاني أجلاء فلاسفة اليونان الروحانيين - يرى أن النفس مكونة من ثلاث قوى: إحداهما جوهرية خالدة، والاثنتان الأخريان ماديتان قابلتان للفناء، فهل عيب التفكير المصري هو أنه سبق غيره إلى النظريات الراقية بأكثر من عشرين قرنا؟!

مما هو جدير بالذكر عند قدماء المصريين أن الروح كانت عندهم تتصل بعالم الأحياء فتذكره بعظات الماضي وتنبئه بأسرار المستقبل وتنصحه بعمل شيء وتحذره من عمل آخر إلى غير ذلك مما تفيض به الأساطير.

(يتبع)

محمد غلاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>