للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قام في عكاظ يقول:

(يا أيها الناس: قولوا لا إله إلا الله تفلحوا وتنجحوا)

ويتبعه رجل له غديرتان كأن وجهه الذهب وهو يقول:

(يا أيها الناس، إن هذا ابن أخي وهو كذاب فاحذروه.)

فعرف الناس أن هذا (الصاد عن سبيل الله) هو عمه أبو لهب ابن عبد المطلب، يكذبه كلما قال كلمة الحق.

عاود والرسول الدعوة مراراً فلم يجب ولم ييأس، ورجا أن يجد فيهم الحامي والمجير على الأقل إذ لم يجد المجيب، فكان يقول للحي في موسم عكاظ:

(لا أكره منكم أحداً على شيء: من رضي الذي أدعوه إليه قبله، ومن كرهه لم أكرهه؛ إنما أريد أن تحوزوني مما يراد بي من القتل، فتحوزوني حتى أبلغ رسالات ربي ويقضي الله لي ولمن صحبني بما شاء.)

كان الناس يعجبون من أمره وأمر عمه، وهم بين راض وغاضب، ومتعجب يرى بعينه ثم يمضي كأن الأمر لا يهمه. منهم من لا ينكر ما يسمع، ومنهم من يرد أقبح الرد، ومنهم من يقول: قومه أعلم به.

كان هذا دأبه أبداً، يوافي به القبائل سنة بعد سنة، حتى إن منهم من قال له: (أيها الرجل، أما آن لك أن تيأس؟!) من طول ما يعرض نفسه عليهم.

انتهى رسول الله في تطوافه على القبائل في عكاظ، إلى بني محارب ابن خصفة، فوجد فيهم شيخاً ابن عشرين ومائة سنة، فكلمه ودعاه إلى الإسلام وأن يمنعه حتى يبلغ رسالة ربه؛ فقال الشيخ: (أيها الرجل قومك أعلم بنبئك. والله لا يؤوب بك رجل إلى أهله إلا آب بشر ما يؤوب به أهل الموسم. فأغبن عنا نفسك.) وإن أبا لهب لقائم يسمع كلام المحاربي.

ثم وقف أبو لهب على المحاربي فقال.

ولو كان أهل الموسم كلهم مثلك لترك هذا الدين الذي هو عليه، إنه صابئ كذاب.)

قال المحاربي: (أنت والله أعرف به، هو ابن أخيك ولحمتك.)

ثم قال: (لعل به يا أبا عتبة لمماً، فإن معنا رجلاً من الحي يهتدي لعلاجه.) فلم يرجع أبو لهب بشيء.

<<  <  ج:
ص:  >  >>