العالية هي في لبها وجوهرها إحساس دقيق وشعور متدفق.
وإذا كان فن التصوير الياباني له اثر واضح على الآثار الأوربية فأننا لم نسمع قط أن الآداب الغربية متأثرة بالآداب اليابانية، ولم يمنع هذا أن يكون العكس صحيحا، فالأدب الياباني غاص بالتراجم العديدة لكثير من الآداب الأوربية العالمية، فجميع المؤلفات القيمة من إنجليزية وفرنسية وألمانية وروسية نقلت إلى اللغة اليابانية، وهذا دليل واضح على تعلق هذا الشعب الناهض بالآداب على اختلاف منابتها.
والعصر الذهبي للآداب اليابانية الكلاسيكية هو عصر (هايين) من ٧٨٤ - ١١٨٦ إذ انتعشت فيه الآداب اليابانية وظهرت فيه عدة قصص غرامية وتاريخية، كما أنه لم يخلو من النشرات الأدبية الانتقادية، ولعل أهم ما يلفت النظر في ذلك العصر هو ظهور أديبتين يابانيتين شهيرتين وهما (موراساكي) و (سي) وموراساكي اسم ياباني معناه زهرة البنفسج وصاحبته أديبة في أسلوبها فخامة وحلاوة وفلسفة لينة بينما (سي) ومعناها النور تمتاز بشعورها الفياض وأسلوبها السهل الممتنع وأشهر قصة لموراساكي؛ هي قصتها المسماة غنسي وهي وصف محكم وصورة طبق الأصل وملاحظات دقيقة مدهشة عن الحياة في البلاط الياباني في القرن الحادي عشر. وهي كثيرة الشبه بالحياة في بلاط لويس الرابع عشر، وقد اتخذت لها بطلا سمته (غنسي) وهو عبارة عن دون جوان آخر، أي مخلوق حر بكل معنى الكلمة، يأتي ما يشاء من الأفعال دون النظر إلى ما كان يأتيه يتماشى مع الاعتبارات الدينية أو الإنسانية أو الاجتماعية أو لا يتماشى، إنما كل همه إرضاء شهواته وملاذه، فكانت له عدة مخاطرات غرامية. وهذه القصة تعطيك صورة واضحة للحياة اليابانية الاجتماعية في عهد (موراساكي)، ولا تسل عن العذوبة والروعة التي كتبت بها الحوادث الغرامية التي خاض غمارها (غنسي) وكل ذلك في أدب وحشمة وتورع.
أما الأديبة الأخرى (سي) فكانت معاصرة لموراساكي وتعيش معها في البلاط الياباني، ولقد عرفت بالكبرياء والصلابة في رأيها، وكتاباتها ملآى بالنقد والتجريح، كذلك كانت لها قدرة على وصف الطبيعة وما بها من حيوان وطير وصفا بليغا دقيقا.
ولنذكر هنا قطعة لها قصيرة في وصف فصول السنة الأربعة قالت: