يميزها من باقي المدرسة، اجتمع لها الظرف والأناقة وخفة الروح وإشراق الطلعة وبريق الذكاء. . . ذلك إلى أن أحدا لا يستطيع الرقص مثل (أولجا مسجرسكي)! ولا يستطيع العدو أو الانزلاق مثلها! ولسبب ما لم تكن لأحد تلك الألفة التي كانت لها مع صفوف الصغار والأحداث في المدرسة. ومن غير أن تشعر أصبحت فتاة، ومن غير أن تشعر ذاعت شهرتها في المدرسة. ولم يمض قليل حتى أخذت الألسن تلوك عنها الأحاديث بأنها نزقة متقلبة لا تستطيع أن تحيا بغير عشاق، وأن التلميذ (شنسين) مدله في حبها مأخوذ بجمالها، وأنها هي أيضاً لعلها تحبه ولكنها لكثرة تقلبها وسوء معاملتها جعلته يحاول الانتحار غيرة مرة. .
في خلال شتائها الأخير جن جنونها بذلك الفيض من السعادة الذي غمرها. . . كذلك قالوا عنها في المدرسة. . . وكان هذا الشتاء مثلجا قارساً تنزل الشمس فيه مبكرة وراء الأيكة الكثيفة من أشجار الشربين الباسقات خلف بستان المدرسة المكسوة بحلل من الثلج الناصع. ولكن الجو كان رائعاً بساماً على الدوام. اليوم ثلج وغدا شمس. نزهة قصيرة في شارع الكنيسة. انزلاقة في متنزه المدينة. غروب وردي دافئ؛ موسيقى. . . ثم ذلك الجمع الدائم الحركة الذي كانت (أولجا) تلوح من بينه أخفه روحاً وأشده نزقاً وأوفره سعادة. وفي ذات يوم بينما كانت مندفعة كالإعصار في غرفة الألعاب تعدو في أثرها الفتيات الصغار يصرخن ويهتفن مبتهجات استدعتها رئيسة المدرسة على حين غرة. فوقفت بغتة وتنفست نفساً عميقاً ثم رتبت شعرها وسحبت أطراف مئزرها كي توصله إلى كتفيها. وبعينين مضيئتين هرعت إلى فوق. كانت الرئيسة صغيرة السن، لكن شعرها كان أبيض، وكانت جالسة بهدوء إلى الطاولة تحت صورة القيصر وفي يديها تطريز قد انكبت عليه واستغرقت فيه.
قالت الرئيسة بالفرنسية دون أن ترفع عينيها عن التطريز (عمى صباحاً يا (مس. مسجرسكي) - إنني آسفة لأن هذه ليست المرة الأولى التي اضطررت فيها لاستدعائك إلى هنا لأكلمك في سلوكك) فأجابت (اولجا) - لقد أخذت بإرشادك أيتها السيدة - قالت ذلك وهي تقترب من المنضدة تنظر إليها بإشراق باد وسرور ظاهر، وفكر شارد، ولم تؤد إليها من التحية إلا طرفاً ضئيلاً ظريفاً هو كل ما تستطيع تأديته من التحيات.