للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

صاحبه يقوده. فأما الجمل فاسمه درويش، وأما صاحبه فاسمه حميد من أولاد سعيد

صعدنا زهاء خمسين دقيقة، وأنا مشفق على هذا الحيوان السهلي يكلَّف هذا المرتقى الصعب، بل سفينة الصحراء التي تسام صعود الجبال.

وكان بيني وبين صاحب درويش حديث ممتع:

قلت: ما تسمي هذا الذي أركب عليه؟ قال: الغبيط، والذي تحته البدار، وقد وضعت الغبيط على بدار الحمل، لأني جئت بدرويش إلى الدير محملاً، وما حسبت أنه يركب. قلت: الغبيط بلغة أهل مصر ما يحمل فيه التراب ونحوه على الدابة، ولكنه في الشعر القديم كما تقول. قال: هذا الخشب المكسوّ الذي يركب عليه هو الغبيط، والبدار هذه الحشيّة التي توضع تحت الغبيط. قلت: فما تسمي هذا الحزام الذي على صدر الجمل؟ قال: هو البطان قلت: صدقت. ويقال في المثل التقت حلقتا البطان والحقب. فما الحقب؟ وهل تسمى الحزام الخلفي حقباً؟ قال: لا، هو الحبك. قلت في نفسي: ليس هذا بعيداً من قياس اللغة وسماعها. ثم قلت: فما الحبل الذي في يدك؟ قال: الرسن. قلت: ألا تسميه المقود؟ قال: المقود هذه - وأشار إلى طرف الحبل الذي في يده وقد جعله كالحلقة - قلت: يا حميد! فما الحبل الذي على خدّ الجمل. قال: العذار. قلت: صدقت. تذكرت قول أبي الطيب:

فقرّحت المقاود ذفربيها ... وصعّر خدّها هذا العذار

قلت: فأين الغارب؟ فوضع يده على أمام الغبيط من ظهر الجمل، وقال: والكثَب هذا؛ ووضع يده على ما يلي العنق.

قلت في نفسي: الذي عرفناه في اللغة الكاثب وجمعه كواثب،

كما قال النابغة:

لهن عليهم عادة قد عرفتها ... إذا عرض الخطّى فوق الكواثب

قلت: فأين الثفنة؟ قال لا أعرف. قلت: ألا تسمى الركبة ثفِنة؟ قال: لا، ولكن الذِّفنة هذه. وأشار إلى ما يقع على الأرض من رجل البعير الخلفية إذا برك. قلت في نفسي: قد قُلبت الثاء ذالاً في لغة حميد وقومه

ثم سألته عن نبات مرَرْنا به حتى قلت: أهنا ثمام؟ قال: لا، ولكن في وادي كذا ثمام كثير. قلت: نحن نقرأ في كلام القدماء: (هذا الشيء على أطراف الثمام). قال: نعم، كذلك نقول

<<  <  ج:
ص:  >  >>