للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

إذا كان الشيء كثيراً قريباً، لأن الثمام قصير. قلت: أفادك الله يا حميد

قال حميد: لا يصعد الجمل بعد هذا الموضع. فنزلت وربط هو درويشاً؛ وسار معي يدلني الطريق إلى حيث يصعد المتوقل إلى القمَّة. فمشينا زهاء خمس دقائق، فنادى: هؤلاء أصحابك. فرأيت جماعة من الرفاق قعدوا من الإعياء، فعرّفوني أن جماعة خلفهم وآخرين سبقوهم إلى القمّة. شرعت أصعد في درج متمهلاً أقرأ بين الحين والحين على الصخر ما كتبة أحد الرفاق السابقين من كلمات تواسي الصاعد وتحرضه على المثابرة، وبعد نصف ساعة بلغت القمة

على القمة فجوة بين الصخور قال دليلنا الراهب: إنها حيث رأى موسى الملك. وهناك كنيسة صغيرة جميلة على جدرانها صور متقنة تمثل ما يدور حول هذا المكان من ذكريات منها صورة تمثل موسى يتلقى الشريعة من الله تعالى

وفي جانب من القمة مسجد ساذج جدرانه غير مطلية وسقفه غير محكم وأرضه غير مفروشة. قالت نفسي: هذه أمارة على إهمال المسلمين أمورهم، فخطر لي أنه مع هذا أمارة على يسر الإسلام وقربه إلى الفطرة. وبجانب المسجد عند حافة القمة غار صغير يُهبط إليه درجات قليلة فيه أثر نار. يقول العامة: إنه حيث أقام موسى أيام الموعد، وإن هذه النار من آثار ذلك الزمان

وتشرف هذه القمة العالية على جبال وأودية كثيرة، ومناظر بعيدة وقريبة، وتسمو بجسم الإنسان وروحه حتى يكاد يتوهم أنه من طير الجو أو سكان السماء

أقمنا قليلاً ثم شرعنا نهبط وأمامنا الراهب لم يعيَ بالصعود والهبوط على كبر سنة (وكل امرئ جار على ما تعوّدا)

مازلنا نهبط ثم نهبط؛ كلما رأينا وادياً في الجبل قلنا قاربنا الأرض، فإذا بلغناه وجدناه قمة عالية تشرف على مهاوٍ أخرى بعيدة. وتشرف المخارم فوقنا عالية عاتية مهيبة ملساء صمّاء، ونشرف نحن على هُوى سحيقة وأودية بعيدة، دواليك حتى غربت الشمس وطلع القمر متمهلاً فوق الجبل الشرقي كأنما أصابه من الإعياء ما أصابنا. ثم أشرفنا على الدير وقد بلغ منا التعب مبلغه فتحاملنا حتى هبطنا إلى مستوى الدير بعد ساعة ونصف من مفارقة القمة.

<<  <  ج:
ص:  >  >>