تمتد الفتوح والآمال والنشوة والكبرياء بإسكندر إلى ما وراء النهر في طريقه شطر الهند، بعد أن طارد دارا حتى عثر به في الطريق قتيلا.
إسكندر العظيم في مدينة سمرقند عام سبع وعشرين وثلاثمائة. قد طوى المراحل والممالك ما بين مقدونية ونهر سيحون. ينعم هنالك بالشباب والظفر والملك الفسيح، والكنوز التي لا تحصى، والجند الذي لا يعد إسكندر الآن أعظم ملك في العالم كله.
ويدعو أصحابه وقواده إلى مأدبة في سمرقند، فيأكلون ثم تدور الكأس حتى يثمل القوم أو يكادون، ثم تترع للملك المظفَّر كؤوس من الإطراء والإعجاب والآجال والإكبار، ويغلو المتملقون المعجبون فيرفعونه فوق الأبطال جميعاً. ويدعون أن أعماله المعجزة لا تكون إلا عن نسب ألهي، بل يرفعونه إلى مستوى الآلهة كهرقل. ويشارك الملك الشاب في إعظام مآثره والإعجاب بها، ثم لا يقنع بما فعل، فيجعل لنفسه ما نال أبوه من ظفر آخر عهده، ويغض من فيليب وإن كان أباه!.
يسخط المقدونيون من الزراية ببطلهم القديم، ولكنهم لا ينبسون. و (كليتوس) رابض ينظر إلى إسكندر ومادحيه ساخطا محملقا. كليتوس أيحد قائدي الفرسان، كليتوس الصديق القديم أخو (لانيس) حاضنة إسكندر التي قتل اثنان من أبنائها تحت رايته، كليتوس الذي نجى إسكندر في معركة كرانيكوس حين أبصر أحد الفرس يهوي بسيفه إلى الملك من خلفه فسارع كالبرق فضرب السيف فقده دون رأس الملك. كليتوس هذا لم يستطع صبرا على الغض من فيليب! قال كليتوس: ما لهؤلاء المادحين يضعون أقدار الغابرين ليرفعوا عليها مجد الحاضرين؟ أن فيليب كان عظيما! ثم تأخذه الحدة فيقول:(ليست مآثره دون مآثر ابنه! لا، أن مآثره لأعظم. فقد خلق الرجل لنفسه ملكا وجيشا. وإنما صلت أيها الملك بما أورثك فيليب من ملك ممهد وجند مدرب. إنما ظفرت بفضل هؤلاء المقدونيين الذين تحقرهم اليوم وتقدم الفرس عليهم. ألم تقتل برمنيون العظيم؟)
هاج الحاضرون وقذفوا كليتوس بالجدل والتوبيخ. وثار ثائر إسكندر الفتى الفاتح الذي سخر ملك مصر وبابل وآشور وفارس، إذ قرعت أذنه لأول مرة نبأة ناقد يعترض كلامه ويرد عليه دعواه. غضب إسكندر وصاح بكليتوس يزجره ويجادله، وانحاز الحاضرون للملك المعجب بنفسه، وكليتوس كالأسد يزمجر ويرد الكلمة بمثلها، ثم ينتفض قائما ويصيح