في الحديث مع الجالسين، وهذا مناف للعادات المألوفة؛ فالزائر الغريب دائماً يكون موضع السؤال والاهتمام والعناية؛ وكثيراً ما يكون قدومه سبباً في تغيير سياق الحديث
ثم إن الكاتب بالغ إلى حد كبير في الاستقصاء وتتبع نواحي المجتمع وكان يتلمس المناسبات في كثير من الأبواب ليشرح موضوعاً من الموضوعات، وكان الاتصال بين الأفكار أحياناً لا يجري على المألوف المستساغ. والمعروف أن القصص لا تحتمل هذا التكلف، ويكفي أن يلم الكاتب في قصته ببعض هذه الموضوعات.
ولكنا مع هذا لا نغض من قدر الكتاب فهو توجيه جديد إلى لون من الأدب ولا يسلم مثل هذا الانتقال من المآخذ والنقص
٢ - أسلوب الكتاب
لقد كتب الدكتور في هذا الموضوع كلمة قيمة وضح فيها أن أسلوب الكتاب نوعان: أسلوب فني أريد به الإمتاع، وأسلوب علمي توخيت فيه السهولة والبساطة.
وهنا يتساءل بعض القارئين: لم اختلف الأسلوب في كتاب واحد لمؤلف واحد؟
والمعهود أن لكل كاتب أسلوبه الخاص الذي يمتاز به ويحمل طابعه في كل كتابة له، ولم نعرف لكبار الكتاب الأقدمين والحديثين نوعين من الأساليب؛ فأسلوب الجاحظ له طابعه ولأسلوب الزيات مميزاته الخاصة.
وأقول في الإجابة عن هذا: إن السر في اختلاف الأسلوب في حديث عيسى بن هشام راجع إلى أن الكتاب وضع في عهد انتقال للأدب؛ فقد اضطرب الأدب والأدباء في نهاية القرن التاسع عشر، وكان الأدباء بين عاملين: عامل الحنين إلى القديم المملوء بالجمال الفني والمحسنات البديعية، وعامل النزوع إلى الطريقة الجديدة التي تعني بالمعنى والسهولة والوضوح قبل كل شيء. وقد جاء حديث عيسى بن هشام معبراً عن هاتين النزعتين أصدق تعبير؛ فهو حين يجد مجالا للجمال والإمتاع يستعير قلم من يعنون بالديباجة والصياغة اللفظية؛ وحينما يقف أمام موضوع علمي يتناوله بقلم المجددين الذين يعنون بالمعاني والبساطة في الأسلوب. وقد كان هذا التردد بين الأسلوبين ظاهراً في أسلوب كثير من الأدباء الذين ظهروا في هذه الفترة من الزمن ومنهم الشيخ محمد عبده وعبد الله فكري. وما زال الأدباء على هذا النحو من التردد حتى ظهر الأدب في ثوبه الجديد واستقر في