ثم يضعنا العصر العباسي فجأة في أول عهده أمام مجموعة كاملة من الأحكام؛ ففي نظر التاريخ لا يظهر التشريع الإسلامي كتشريع بالمعنى الصحيح إلا مع (أبي حنيفة) الذي وردت آراؤه في جميع المسائل كما وردت آراء صاحبه (أبي يوسف) بمجموعات الكتب التي وضعها (محمد) صاحبه الآخر المتوفى سنة ١٨٩هـ.
فأول أثر من الآثار القانونية هو إذن اثر كامل الأجزاء. وإذا كانت هذه الكتب قد ذكرت في بعض الأحوال آراء لبعض الفقهاء ممن سبقوا (أبا حنيفة) فإن هذه الآراء لا تكون في مجموعها تشريعاً يعتد به.
فهذه الكتب تعطينا صورة كاملة للتشريع الإسلامي كما ارتأاها (أبو حنيفة)، وفي نفس هذا الكتب نلحظ اتجاها خاصاً يمثله (أبو يوسف) وهو اتجاه ظاهر الميل نحو الأخذ بقواعد العدل والإنصاف.
وقد انتقل هذا التشريع كما هو مع اتجاهاته المختلفة إلى الأجيال المتعاقبة من الفقهاء - بواسطة كتب (محمد) وإذا كان الفقهاء في زمن (السمرقندي)(حوالي سنة ٥٧٣هـ) قد وضعوا حلولاً لبعض المسائل التي استجدت والتي أسموها (النوازل) فلم يكن عملهم هذا إلا بمثابة الملحق من الكتاب.
ولم يكن للفقهاء حتى في عصور الاجتهاد سوى تطبيق الأحكام الموضوعة على مسائل يقيسونها قياساً على ما سبقها، أو الترجيح بين حلين قام بشأنهما الجدل؛ ويلاحظ أن الفقهاء لم يترددوا في الواقع عن القياس والترجيح حتى في العصور التي تلت ما أسموه (إقفال باب الاجتهاد).
ولذلك نلاحظ أن القرون التي مرت على هذه الكتب لم تضف إليها الشيء الكثير. وما قد جاء من الحلول عن طريق الإجماع أو العادة موجود في الغالب بتلك الكتب. ومع ذلك فمما لا شك فيه أن (العرف والعادات) قد ساعدت على جعل بعض القواعد أكثر مرونة أو على تحديد مدى تطبيقها، إلا أن الأسس بقية ثابتة كما كانت من (المبسوط) إلى (رد المحتار)(٢٥٢١هـ).
ويلاحظ أخيراً أن بعض المسائل أتتنا لا عن طريق كتب (محمد) الستة، بل عن طريق كتب أخرى له أو لغيره، وهي معتبرة أضعف سنداً من الكتب الستة؛ ولذلك عبر عنها