وأتمنى للأستاذ أن يهجُر هذا الأسلوب في الجدال، فما هو بمغنيه عن الحق شيئاً، كما لم يغن (طنينُ) الأستاذ صروف بالإشادة بمزايا الكتاب في مقدمته) أهـ، ولست أدري! فلعل صُحف الرسالة قد غنيت بأساليب البيان العبقري، والسخرية النابغة من مثل قوله عن كلمات فؤاد صروف (طنين الأستاذ صروف)، فالطنين في هذه العبارة كلمة بيانية مبتدعة فيها من الفن والموسيقى ما يتضاءل معه إبداع جلّة الكُتاّب والشعراء والموسيقيين. ومثلُ الذي يقول:(وأنا أعوذُ بالله من الغرور، والذهابِ بالنفس، ومن الجهل بمقدارها، والمكابرة في العلم، والعصبية للرأي والهوى؛ فما يزال الناس - ولله الحمد - يقيسون فضل المرء بخضوعه للحق، وإتقانه لعمله، لا بدعواه و (تبجُّحه)) إلى آخر هذا الكلام البليغ الذي لو أراده الجاحظ وجهد فيه، واحتفل له، لما تعلّق بذيلهِ، ولا جرى في غباره. وأنا أعوذ بالأخ أن يعودَ إلى مثل هذا القولِ، فإني أكره أن أجزي أخاً أي بالذي أعلمُ أنَّه يؤذيه ويرمضُه، فيذهله عن منازل الصّبر، ويستفزّهُ عن مواطن الحلم.
وليس أحب إلى نفسي من أن أهتديَ إلى الحق على علم وبصيرة، وأن أخضَعَ له على الرضى والغضب، وأن أعمل على افراره ما استطعت إلى ذلك سبيلا. فلا يتبعنّ - أخي الأستاذ سعيد - ظنّه أنا من أهل الغرور، والذهاب بالنفس، والجهل بمقدارها، والمكابرة في العلم، والجدال فيما لا جدوى منه ولا منفعة. وسأنتهي - إن شاء الله - مع الأخ إلى النهاية التي يرضاها غير باغ ولا ظالم. فأول ما أبدأ به بيان ما ورد في كلمته (الرسالة ١٧٠) من التهافُت في بعض القولِ، ثم أعقّبُ على ذلك بذكر نبوّة أبي الطيب، وتقرير القول في نفيها على وجه يبلغ بنا رضاه، ثم أجيبه عن كل ما سألنيه من شيء، فإن اعترض في خلال ذلك، نظرت في الذي يأتي به، فإن غلبنا على الحق أسلمنا وبذلنا له الطاعة، وإن رضي قولنا فهو عند قاعدته التي ذكرها (ألا يحفِلَ نقْداً أو رداً إلا إذا كان حقاً، وسبيله أن يأخذ نفسه به، ويشكر لصاحبه).
١ - قال الأستاذ سعيد حين ذكر خبر التنوخي ورأينا في رده:(سأل التنوخي أبا الطيب عن معنى (المتنبي) فأجابه: (إن هذا شيء كان في الحداثة) وظاهر أنه يعني التلقيب لا التنبؤ، فجوابه غير صريح، وهو كما قال الراوي جواب مغالط) اهـ. والأصل الذي اعتمد عليه الأستاذ فيما ينقل هو (طبقات الأدباء) لابن الأنباري، ونص الخبر: ثم (قال التنوخي: