للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قال: فكأنك لم تر الدنيا. أما أنا فقد رأيت جسر بغداد، ورأيت الدنيا؛ لا أقول إنه أعظم من جسر إسماعيل، أو أجمل من جسر الزمالك، ولكن لجسر بغداد سراً آخر، يعرفه كل من نظر في كتب الأدب والتاريخ وقرأ عن جسر بغداد. . . هذا الذي جازه القواد الفاتحون، والفقهاء والمحدثون، والشعراء والماجنون؛ هذا الذي وقف عليه الرشيد والمأمون، وأبو حنيفة والشافعي، والفضل وابن دينار، ومطيع وأبو نواس، وعبد الله بن طاهر ويزيد بن مزيد، وشهد جلال الخلافة، وعظمة العلم، وروعة الزهد، وضحك المجون، وقوة الجيش. . . . وجرى عليه نهر التاريخ. . . وتداعت على جوانبه القرون. . . . هذا الذي كان سرة الأرض!

أيا حبّذا جسر على متن دجلة ... بإتقان تأسيس وحسن ورونق

جمال وفخر للعراق ونزهة ... وسلوة من أضناه فرط التشوق

تراه إذا ما جئته متأملاً ... كسطر عبير خط في وسط مهرق

أو العاج فيه الآبنوس مرقش ... مثال فيول تحتها أرض زئبق

أما إنني إن أحببت مصر لأن منها أصلي، وأحببت الشام لأن فيها مولدي، فإني أحب العراق لأن فيها أجمل ذكر الماضي، وأحب الحجاز لأن إليها قبلتي، وأحب كل بلد يقول أهله: لا إله إلا الله محمد رسول الله. لأنه بلدي، وأهله أهلي.

(بغداد)

علي الطنطاوي

<<  <  ج:
ص:  >  >>