للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

قطعان تقرب من الناس، وتتشمم وتأكل من أيديهم؛ ثم أخرجوا إلى دار فيها أربعة فيلة مزينة بالديباج والوشى، على كل فيل ثمانية نفر من السند والزراقين بالنار، فهال الرسل أمرها؛ ثم أخرجوا إلى دار فيها مائة سبع، خمسون يمنة وخمسون يسرة، كل سبع في يد سبّاع وفي رؤوسها وأعناقها السلاسل والحديد؛ ثم أخرجوا إلى الجوسق المحدث، وهي دار بين بساتين في وسطه بركة رصاص، حواليها نهر رصاص أحسن من الفضّة المجلوّة، طول البركة ثلاثون ذراعاً، فيها أربع طيارات لطاف بمجالس مزيّنة بالديبقى المطرّز، وأغشيتها ديبقى مذهب، وحوالي هذه البركة بستان بميادين فيه نخل، عددها أربعمائة نخلة، طول كل واحد خمسة أذرع، قد لبّس جميعها ساجاً منقوشاً من أصلها إلى حد الجمارة بحلق من شبه مذهبة. . . ثم أخرجوا من هذه الدار إلى دار الشجرة، وفيها شجرة في وسط بركة كبيرة مدوّرة، فيها ماء صاف، والشجرة ثمانية عشرة غصناً، عليها الطيور والعصافير من كل نوع، مذهبة ومفضضة، وأكثر قضبان الشجرة فضة، وبعضها مذهب، وهي تتمايل في أوقات، ولها ورق مختلف الألوان، يتحرك كما تحرك الريح ورق الشجر، وكل من هذه الطيور يصفر ويهدر. . . إلى أن دخلوا إلى الخليفة.

وملأ نفسي الشعور بعظمة بغداد، المدينة التي كانت وحدها دنيا، كان فيها ستّون ألف حمّام، فلو أن في كل حمّام خمسة نفر حمامي وقيم وزبّال ووقّاد وسقاء وذلك أقل ما يكون، لكان أصحاب الحمامات ثلاثمائة ألف رجل، وكان حيال كلّ حمام خمسة مساجد، فلو أن في كل مسجد خمسة أشخاص، لكان ذلك ألف ألف وخمسمائة ألف إنسان. وأحصيت الزوارق التي في دجلة أيام الناصر فكانت ثلاثين ألفاً.

قال الخطيب: (لم يكن لبغداد في الدنيا نظير، في جلال قدرها، وفخامة أمرها، وكثرة علمائها وأعلامها، وتميّز خواصها وعوامها، وعظم أقطارها، وسعة أطرارها، وكثرة دورها ومنازلها، ودروبها وشعوبها، ومحالها وأسواقها، وسككها وأزقتها، ومساجدها وحماماتها، وطرزها وخاناتها، وطيب هوائها، وعذوبة مائها، وبرد ظلالها وأفيائها، واعتدال صيفها وشتائها، وصحة ربيعها وخريفها، وزيادة ما حصر من عدّة سكانها).

وبعد فهاأنذا على (جسر بغداد) في نشوة من خمرة الذكرى أذكر ما لا سبيل إلى تلخيصه، وأحس ما لا طاقة على وصفه، وقد قال أبو الوليد: قال لي شعبة: أرأيت بغداد؟ قلت: لا.

<<  <  ج:
ص:  >  >>