للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج:
ص:  >  >>

وأناقة الملبس ورشاقة الجسم، ولكنه حريص على عفته متمسك بطهره، تهفو إلى الجمال روحه إلا أنه يحلق ويأبى أن يرد. . .

وعاد ملتن إلى الكلية، وقد انقضى أمر النفي؛ ولكنه لم يعد إلى تشابل فقد نقل إلى غيره، وهو إجراء له مغزاه، إذ لم يكن مثل هذا النقل بالعمل المعتاد في تلك الأيام، ومنه يفهم أن القائمين على أمر الكلية يحملون تشابل شيئاً من اللوم.

ولم يفل النفي حدته ولا أوهن نشاطه ولا أذل كبرياءه؛ وعادت نفسه الحرة تنشد الإصلاح، وانطلق لسانه الفصيح يندد بما يرى من عيوب أيا كان أصحابها؛ فلا تنقطع له شكوى، ولا يفتر له نقد.

ونال أقرانه شئ غير قليل من نقده؛ وكانوا أحرياء إلا قليلا منهم، ألا يرتاحوا إليه، وأن أعجبهم كثير من خصاله وراقهم شخصه، فأن تمسكه بالفضيلة وتشدده في الطهر والعفة هو في ذاته تأنيب صامت أما يظهرون من نقائص، ناهيك بما يقول في كل فرصة، وبما يرسله كل آونة من عبارات التهكم أو نظرات الازدراء. وقف يخطب ذات مرة فقال (كيف آمل أن أجر فيكم الرغبة إلى الخير وأنا أرى في حفل عظيم كهذا الحفل وجوهاً تنطق بالعداوة يكاد يبلغ عددها عدد ما هنا من رؤوس).

وكان جزاؤه على ذلك العنت من الكثير من طلاب الكلية، فأخذوا على طريقة الطلاب يعابثونه ويهوشون عليه ويلاقونه أينما تكلم بشغبهم وزياطهم، ويسخرون منه كما سخر منهم، وجعلوا عفته موضعا لاستهزائهم به، وكانوا قد أطلقوا عليه من قبل اسم (السيدة) لما رأوا من رقته وظرفه ودماثته، فأخذوا الآن يعيدون هذه التسمية في موضع الإعنات والاستهزاء، فإذا سأل أحدهم صاحبه عنه قال هل رأيت سيدة الكلية، أو هل رأيت سيدة كريست، ويقصدون أن يسمعوه هذا وهو على مقربة منهم ليغيظوه، فيكظم غيظه ويحاول أن يغيظهم بترفعه عنهم وازدرائه إياهم.

ولم يأبه ملتن بما يقولون؛ ففيه على رقة حاشيته صبر على النضال، يلذ له الأذى في سبيل إعلان رأيه والدفاع عن مبدئه، ولذلك تراه ينهض ذات مرة خطيباً، فيشير في خطابه إلى هذه التسمية، فيقول متهكما إنه يعتقد أن ليس مردها إلا حسن وجهه وقصر قامته وجمال هيكله فحسب، ولكن إلى طهره كذلك ورقة حاشيته ودماثته وحسن سلوكه؛ ثم يتساءل في

<<  <  ج:
ص:  >  >>